أراجيز الطف 22
تحمل أرجوزة الشهيد عبد الله بن عقيل بن أبي طالب في يوم عاشوراء الكثير من معاني الفخر والاعتزاز والشجاعة، فالأرجوزة تتضمن مفرداتها ذات دلائل غزيرة للغاية، حيث تختصر الكثير الكلمات عبر استخدام مفردات موجزة وذات وقع كبير على العدو، فالأبيات المرتجلة في ساحة الحرب لا تتجاوز ”البيتين“ ولكنها تكشف القدرة على اختيار الكلمات وإمكانية توظيف الحدث الكبير بطريقة واضحة، مما يعكس مستوى الشجاعة والقدرة على إدخال الرعب في قلوب الجيش المقابل.
يتضمن الشطر الأول من الأرجوزة دعوة الجيش الأموي إلى التراجع عن ارتكاب الجريمة الكبرى بحق سيد الشهداء، خصوصا وأن الحرب ضد سبط رسول ﷺ تكون عواقبها وخيمة على جميع أفراد الجيش الأموي، بالإضافة فإن مفردات الشطر الأول تحتوي على أوصاف دقيقة للغاية للشخصية القادمة للحرب، حيث يطالب معسكر بني زياد بفتح الطريق أمام الفارس المقدام وعدم اعتراضه طريقه، من خلال استخدام مفردة ”خلو“، فضلا عن استعمال كلمة ”المصحر“ التي تعني الخارج إلى الصحراء، كما أن الشطر الأول من الأرجوزة يحتوي على وصف رائع في التعبير عن القوة والقدرة على اختراق صفوف الأعداء، من خلال توظيف مفردة ”الغيل“ التي تعني موضع الأسد، مما يدلل على امتلاك الجرأة في اقتحام جميع الأماكن، وفي مقدمتها مواضع الأسود وعدم التراجع في محاربة الأقوياء، حيث يقول ”خلوا عن المصحر دون الغيل“
بينما يحمل الشطر الثاني من البيت الأول التعريف بالنفس أثناء النزول في ساحة الحرب، من أجل إعطاء العدو المعرفة المسبقة لهوية القادم للميدان، لاسيما وأن الاعتزاز بالذات من الأمور المتعارف عليها لدى العرب في جميع الحروب، بالإضافة لذلك فإن التعريف عن الذات للطرف المقابل يهدف إلى إدخال الرعب والخوف في النفوس، لا سيما وأن سمعة بني هاشم في الحروب ليست خافية على الجميع، الأمر الذي يخلق حالة من القلق لدى الجيش الأموي، بخصوص هوية المحارب الجديد، فالأرجوزة تضمنت مفردات بسيطة، ولكنها تبعث على العزة في النفس والإصرار على المواجهة، حيث تحتوي على تعريف بالنفس عبر الانتساب إلى والده عقيل بن أبي طالب ، بهدف إزالة الغموض والإجابة على التساؤلات لدى العدو بخصوص هوية المتقدم في ساحة الوغى، فالشطر الثاني يقول " خلوا عن الواضح من عقيل.
فيما الشطر الأول من البيت الثاني يحمل الهدف من الرغبة في القتال والتضحية بالنفس في ساحة الحرب، فهي يتضمن الاستعداد حتى النفس الأخير في الدفاع عن المبادئ الإسلامية والوقوف في وجه الجيش الأموي في الذود عن حمى أهل بيت النبوة وعدم السماح بالمساس بسبط الرسول الأكرم ، حيث تتضمن المفردات التي لا تتجاوز 4 كلمات الكثير من المعاني الكبيرة، فمن جانب يتضمن القدرة على منع الجيش الأموي عن الوصول إلى أهدافه وعدم السماح بتمرير الدعايات الكاذبة التي دفعت الجيوش للوقوف أمام سيد الشهداء في صحراء كربلاء، ومن جانب آخر، فإن الشطر الأول من البيت الثاني يتضمن الاستجابة الطوعية لدعوة سبط الرسول في الدفاع عن بيضة الإسلام في مواجهة الجيش الأموي، حيث يقول ”يمنع عن صريخة الرسول“.
ويحمل الشطر الأخير من البيت الثاني، الوصف للسلاح الذي يحمله في القتال والرغبة في سقي سيفه بدماء العدو، حيث يستخدم مفردات واضحة في التعبير عن قدرته على استخدام السيف في القتال، فهو سليل عشيرة معروفة بالبأس والشدة في الحروب، حيث يتوارث الأبناء الشجاعة من الإباء والقدرة على الوقوف في وجه كافة الأعداء، لاسيما وأن مفردات ”الخوف“ و”الجبن“ ليست موجودة في قاموس بني هاشم على الإطلاق، فهذه العشيرة لا تعرف الفرار من الحروب ولا تحدث نفسها بالنكوص أو التراجع عند اشتداد القتال، حيث يقول ”بسيفه المهند المصقول“.
في هذا الصدد تنقل كتب السيرة أن عبد الله بن عقيل بن أبي طالب خرج يوم عاشوراء وهو يرتجز قائلاً:
خلوا عن المصحر دون الغيل
خلوا عن الواضح من عقيل
يمنع عن صريخة الرسول
بسيفه المهند المصقول