دعاء الإمام الحسين (ع) في صبيحة عاشوراء «2»
كونوا مع الله تعالى:
الابتلاء بالشدائد والمصاعب سنة إلهية ومحطة اختبار للإنسان ومفترق طرق في المواقف والاتجاهات، فالإنسان المادي قد تعلق عقله وقلبه بأسباب القوة عنده كالجاه والمال والأعوان، فمتى ما نزلت به ضيقة لجأ إليهم لإنقاذه منها والبحث عن سبل الحل لأزماته، وأما الإنسان صاحب الومضة الإيمانية فهو مع القوة الغيبية المسيطرة على هذا الكون والتي تمتلك القدرة على تصريف أموره وفق الحكمة والعدل، ولذا فهو صاحب نفس مطمئنة وراضية بقضاء الله تعالى في جميع الأحوال، فإذا رأيت الشخص المادي قد انهدت قواه وأصيب بالخوار الفكري والعجز والشللية عن التصرف بحكمة، وذلك بسبب أنه لا يجد له عونا في ساعة الضيق ولا ينقذه من همه وكربه كل ما يملكه، فريح الشدة تعصف به وهو كورقة في مهب الريح لا تجد لها قرارا ولا أمنا، ترى ذلك المؤمن بالله تعالى في خضم الضيق الذي يعيشه لا يفارقه شعور يتملك جوانحه بأن القدرة المطلقة لا تتركه وحيدا بل تسدد خطاه تمده بالعناية في كل خطوة يخطوها نحو الخلاص من المتاعب، وهدوء نفسه والثبات الذي يمتاز به هو نتيجة تلك الروح الإيمانية التي تربى عليها في كل أحواله، إذ أن ذكر الله تعالى له ذلك الأثر العجيب في لحظات الشدة فيذيب كل تلك المخاوف والهواجس ويستبدلها أنسا بالله تعالى وثقة بتدبيره، فذكر الله تعالى استحضار القوة والعظمة الإلهية في سرائه وضرائه فيزداد يقينا وصمودا، وهذه سيرة الأنبياء العظام في ساعة الشدة في رمي النبي إبراهيم في الأخدود المسعر نارا، وفي شدة ابتلاء أيوب بفقد الأهل والمال والإصابة بالمرض، وصولا إلى الرسول الأكرم ﷺ في ساعات الشدة والابتلاء كيوم بدر والخندق، لا تغفل عقولهم وقلوبهم عن ذكر الله تعالى والتعلق به في تلك اللحظات، مهما كانت نتائجها فهم على يقين بأنها تقع في دائرة التخطيط والتدبير الإلهي ولها وجه نوراني في الحكمة منها.
والإمام الحسين يربينا ويعلمنا مفردة مهمة في نهجه الإيماني وهو التعلق بالله تعالى في كل أحوالهم، فإذا نزلت بنا الشدائد والمتاعب فلا تهيم قلوبنا وتحتار ويتسرب لنا اليأس والإحساس بالإخفاق والاستيحاش بسبب تفرق الأصحاب عنا وانسحابهم من حياتنا، فلتهدأ نفوسنا باللجوء إلى محراب الدعاء وتجديد الطاقة الروحية عندنا؛ لتسعفنا وتساندنا لتجاوز تلك المرحلة بكل اقتدار، فهذه صفحات التاريخ تنقل لنا مواقف مخجلة لمن أصابتهم الأزمات بسهامها فخارت قواهم وانكفؤوا على أنفسهم، بعد إصابتهم بصدمة نفسية وعاطفية لشعورهم بالضعف والخوف من المستقبل المجهول، ولكننا بين يدي سيرة الإمام الحسين نقف أمام شخصية عظيمة بلغت أعلى درجات الكمال النفسي والأخلاقي، فليس هناك من شدة تمر بإنسان كما داهمت سيد شباب الجنة وقد أيقن بالشهادة، ولكننا لم نسمع منه كلمة شكوى إلى الناس مما حل به من القضاء، ولم نسمع منه كلمات التردد والحيرة والضياع مع قوة المصيبة التي حلت به، بل أشرقت منه أنوار موقف الثبات والصمود والاقتدار والشجاعة واليأس مما في أيدي الناس والاستغناء بالله تعالى عن كل شيء، فوقف كالجبل الشامخ لا يتأثر سلبا بالظروف الصعبة من حوله، بل يمضي قدما ببصيرة واضحة وخطى ثابتة في طريق الأهداف التي رسمها، وهذا نهج الصبر والثبات الحسيني من أهم المعالم التي خطها للمؤمنين في التعامل مع الأزمات والشدائد التي يمرون بها، إنه التعلق بالله تعالى واليقين بتدبيره هو ما يهبهم القوة والشجاعة والهمة العالية، ويبعد عنهم شبح اليأس والحيرة والترنح بسبب الهموم وأكدار الزمن الصعب.
الإمام الحسين يعلمنا درسا مهما في كيفية التعامل مع الأزمات والهموم وكيفية معالجتها، فالحل في نظره يبدأ من التوجه أولا إلى ساحة القدرة الإلهية فيناجيه ويدعوه ويبث له شكواه وآلامه ليستعيد هدوءه وتوازنه الروحي والفكري، فالشجاعة والقوة في المنطق والموقف عند الإمام مع شدة الموقف الذي يمر به، كان بسبب تعلقه بالله تعالى واتكاله على من لا يضيع عباده اللائذين بجنابه وحصنه.