وعي الفرد
الارتقاء بالوعي الفردي عملية تدريجية وتراكمية، حيث تعتمد بالدرجة الأولى على الجهد الذاتي، والرغبة في امتلاك الأدوات اللازمة، للحصول على الإدراك اللازم للتعاطي مع الواقع الاجتماعي، مما يؤسس لحالة من الاستيعاب المطلوب للتعامل مع مختلف القضايا، بالإضافة لذلك فإن الوعي الفردي مرتبط بالحالة الاجتماعية السائدة، فالبيئة الخارجية تفرض واقعا على الفرد، فتارة تلعب الأحداث المتلاحقة دورا أساسيا، في تنامي الوعي الفردي، وتارة أخرى تكون الأحداث الاجتماعية محفزا للانخراط فيها، مما يساهم في رفع الوعي بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
الوعي الفردي لا يقتصر على القراءة المستمرة فقط، وإنما يشمل التجارب الحياتية، وكذلك يرتبط بالتحديات على اختلافها، فالقراءة عنصر مساعد في توسيع المدارك لدى الفرد، مما يسهم في إنارة الطريق، والحصول على بعض المفاتيح الأساسية، للتعامل الذكي مع مختلف الأحداث الاجتماعية، وبالتالي فإن الاقتصار على القراءة لا يرفع الوعي الذاتي، بقدر ما يزيد الحصيلة الثقافية، والتي تكون في بعض الأحيان خارج السياق الاجتماعي، وليست قادرة على التعاطي بواقعية مع التحديات المختلفة، فمحاولة رسم وعي قائم على الحصيلة الثقافية، يترك بعض الثغرات، ويحدث حالة من النكوص في القدرة، على الاستيعاب المطلوب للمساهمة في المعالجات الأساسية، لمختلف الأزمات الاجتماعية.
الأحداث الاجتماعية على اختلافها، حقل تجارب حقيقية لرفع الوعي الفردي، فالانخراط في تلك الأحداث يزيد من حالة التعاطي، مع الأمور بشكل احترافي وواقعي، مما يسهم في الارتقاء بالوعي الفردي، نظرا لوجود تحديات واقعية في البيئة الاجتماعية، بمعنى آخر، فإن التحركات القائمة على النظريات والخطط الشفهية عنصر فاعل، في تحديد مواطن الخلل، ولكنها ليست قادرة على صناعة أجيال واعية، تمتلك الإمكانات اللازمة لإيجاد الحلول المناسبة، لكافة القضايا الاجتماعية، وبالتالي فإن البيئة الاجتماعية قادرة على رسم ملامح الوعي الفردي، في كثير من الأحيان، لا سيما وأن المجتمعات التي تواجه الأزمات تصبح أكثر قدرة على الصمود، جراء التعامل الواعي معها، ونتيجة وجود عناصر تمتلك الأدوات المطلوبة، للخروج من تلك الأزمات بأقل الخسائر، بخلاف المجتمعات الأخرى التي تواجه أزمات هامشية أو قليلة، فإن مستوى الوعي الفردي يكون أقل من المطلوب أحيانا.
قياس الوعي الفردي يترجم في ردود الأفعال، تجاه الأزمات الاجتماعية، فالانفعالات غير المتوازنة، والقرارات الارتجالية، تكشف تواضع مستوى الوعي، وعدم القدرة على ضبط الأعصاب، والفشل في التماسك، في مواجهة تلك الأزمات، بينما يتجلى الوعي الفردي في القدرة على الاستيعاب، وامتصاص الهيجان، الذي يصاحب بعض الأزمات الاجتماعية، الأمر الذي يسهم في إيجاد الحلول المناسبة، بعيدا عن الضجيج وارتفاع الأصوات، وبالتالي فإن الوعي الفردي عنصر أساسي، في توجيه بوصلة الأزمات في الاتجاهات، فإذا كان مستوى الوعي منخفضا فإن الأمور ستكون أكثر سوءا، بينما ستكون الأمور تحت السيطرة عند امتلاك الوعي الفردي المطلوب، نظرا لاختلاف مستوى الاستيعاب للأحداث، والقدرة على تحريك الأمور في المسارات السليمة.
وجود الوعي الفردي يخلق حالة من الاستقرار الاجتماعي، بحيث يتجلى في الترفع عن الدخول في المشاكل التافهة، فضلا عن الانخراط في المهاترات الجانبية، فالوعي الفردي يدفع باتجاه الاهتمام بالقضايا الرئيسية، والابتعاد عن الأمور البسيطة، انطلاقا من قناعات راسخة لدى الأفراد، بأهمية الترفع عن الانشغال بالأمور التافهة، باعتبارها عناصر معرقلة للمسيرة الاجتماعية، وأمور ليست قادرة على الدفع بالبيئة الاجتماعية، نحو التقدم والنهوض، وبالتالي فإن استيعاب القضايا الكبرى يكشف ارتفاع مستوى الوعي الفردي في المجتمع، بينما الانشغال بالأمور الصغيرة يعطي انطباعات، بضحالة مستوى الوعي لدى الأفراد في المجتمع.
يبقى الوعي الفردي لاعبا حيويا، في رفد المسيرة الاجتماعية بعناصر التقدم والازدهار، نظرا لأهمية الوعي الفردي في تجاوز الكثير من الصعاب، والتغلب على الكثير من التحديات، الأمر الذي يخلق حالة من التصالح في البيئة الاجتماعية الواحدة.