سماء لا تسكنها الغيوم
خرج أحمد من بيته ناحية أطراف البلدة، فقد أزعجه صياح أولاده، وخصوصًا بكاء طفله الرضيع، وإلحاح أمهم تطلب الماء لها ولطفلها، فالعطش جفف الحليب في صدرها.
تجوّل بين البيوت الطينية التي تمر بها نسمات الهواء الحارة، فلا تحمل منها إلا الغبار.
توجه إلى حيث بئر البلدة الذي كان يسقي الناس وأغنامهم، فوجد الناس متحلقين حوله، ممسكين بقرب وأوانٍ فارغة.
لم يترك الجفاف شيئًا إلا أصابه، حتى العشب المحيط بالبئر اصفر لونه، وصار عصفًا تذروه الرياح يمنة وشمالًا.. والأرض متشققة كأرجل الفلاحين.
تذكر أيام كانت هذه البئر تسقي الناس والحيوانات والزرع أيضًا.
عندما كان صغيرًا، كان يأتي مع أبيه يرعيان الغنم لتشرب، وكان يلعب مع الأطفال بالطين، ويطأ الماء معهم بقدميه الحافيتين، ويتراشقون بـ أكفٍ مائية.
كان أبوه كل مرة يملأ قربتين يحملهما على الحمار، كان يعود أحيانًا راكبًا على الحمار، وأحيانًا يمشي خلف الحمار، يدوس على الخط الذي يرسمه الماء المتساقط من القربة على الأرض.
أرجعه إلى الحاضر بكاء الأطفال، وغثاء الحيوانات، رفع رأسه إلى السماء بشمسها المتربصة، وخيّل له أن سعفات النخيل تشبه الأيدي التي مدت إلى السماء تتضرع.
التفت إلى امرأة تحمل طفلًا خطف العطش لونه..
أخذه ورفعه إلى السماء، وقال: «متى سنشرب الماء يا رب؟»