آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:13 م

المسؤولية المجتمعية

محمد أحمد التاروتي *

يلعب المجتمع دورا فاعلا في الحفاظ على المكتسبات، والعمل على تحديد المسارات السليمة، من خلال وضع معايير ثابتة في السلوكيات الخارجية، وكذلك فرض نظام قائم على الاحترام المتبادل، ورفض مختلف أشكال الازدواجية في التعاطي الفئات الاجتماعية، الأمر الذي يسهم في إرساء قواعد صارمة، تساعد في تشكيل العقل الجمعي.

الثقافة الجمعية إحدى الأدوات الأساسية، في صناعة التفكير الاجتماعي، فالهوية الثقافية للمجتمع قادرة على محاربة، ومقاومة مختلف أنواع التحديات، سواء كانت على الإطار الكلي أو الفردي، خصوصا وأن الفكر الثقافي يخلق حالة من التوازن، بين الممارسات الخارجية والقناعات الذاتية، الأمر الذي يؤسس للتصالح الاجتماعي في العديد من الممارسات الخارجية، وبالتالي فإن الدور الثقافي يعطي زخما قويا للمجتمع في الاعتزاز بالذات، ويحث على مقاومة مختلف أنواع التحولات غير الصحية، التي تحاول اختراق جدار الوعي الاجتماعي بمختلف الأشكال.

التعاطي بوعي كامل تجاه التحديات، ومحاولة دراستها بطريقة عميقة، بحيث تأخذ في الاعتبار الآثار السلبية، والجوانب الإيجابية، يمثل أحد الأدوار الرئيسية للمجتمع في رسم الخط البياني، للحفاظ على الهوية الاجتماعية، خصوصا وأن التحديات الحياتية تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، والعديد من الإيجابيات، مما يفرض الفصل بين الانعكاسات السلبية، والاستفادة من العناصر الإيجابية، بمعنى آخر، فإن الوعي الكامل قادر على إنقاذ البيئة الاجتماعية، من السير وراء بعض الشعارات البراقة، والأوهام غير الواقعية، من خلال تعزيز القيم في البيئة الاجتماعية، لمواجهة المخاطر الكبرى، التي تشكل تهديدا وجوديا في بعض الأحيان، يساعد في تعزيز القدرة على التماسك، في وجه مختلف التيارات الثقافية على اختلافها.

القدرة على القراءة الدقيقة للمرحلة الراهنة، ومحاولة رسم طريق واضحة للمراحل القادمة، يعزز حالة الاطمئنان في قدرة البيئة الاجتماعية، على تحريك الأمور في الاتجاهات المناسبة، لا سيما وأن الافتقار إلى الرؤية السليمة، يجلب الكثير من الآثار السلبية على الهوية المجتمعية، نظرا لوجود اختلالات حقيقية في بنية التفكير الاجتماعي، مما يمثل بداية التخلي على بعض القناعات، والتجاوب مع الدعوات الساعية، لتخريب الكثير من المفاهيم السائدة، وبالتالي فإن المسؤولية المجتمعية تستدعي التحرك وفق الوقائع على الأرض، بحيث تتجاوب بصورة سريعة مع التطورات، بما لا يشكل ضررا كبيرا على الهوية الثقافية، ولا يمنع من اقتناص الفرص الإيجابية، من تلك المتغيرات المنسجمة مع التطورات الجارية.

المسؤولية المجتمعية ليست معنية بمحاربة التطور، أو الوقوف في وجه الاستجابة العقلانية، مع مختلف التحولات العالمية، بقدر ما تحاول وضع الضوابط القادرة على التخفيف من الآثار السلبية، خصوصا وأن الاستجابة الطوعية لمختلف أنواع التحولات الثقافية، تكون تداعياتها كبيرة على التشكيل الثقافي للفرد أولا، ورسم مسار ثقافي ”غريب“ على البيئة الاجتماعية ثانيا، مما يخلق الكثير من الانعكاسات الخطيرة على المستقبل الاجتماعي، جراء الانغماس غير الواعي خلف الكثير من القناعات الطارئة، وغير المنسجمة مع المنظومة الفكرية السائدة بالمجتمع، وبالتالي فإن المسؤولية المجتمعية تشكل الجدار القادر على مواجهة تلك العواصف الشديدة، من أجل حماية مختلف الفئات الاجتماعية من الأمراض القاتلة، التي تهدد الجسد الاجتماعي، خصوصا وأن بعض الشعارات تحمل في طياتها سموما، لتعطيل العديد من المرتكزات الثقافية المغروسة في الوجدان الاجتماعي.

وجود المحركات الذاتية لحماية البيئة الاجتماعية، يخلق حالة من الاستقرار النفسي في المجتمع، لا سيما وأن الدوافع الذاتية قادرة على التحرك الدائم، باتجاه وضع الخيارات المناسبة للحفاظ على التماسك الاجتماعي، بحيث تترجم في العديد من الفعاليات، والكثير من المبادرات الساعية، لتسليط الأضواء على المخاطر الناجمة، عن التنازل على الهوية الاجتماعية، مما يعني وجود استمرارية في الدفاع عن المكتسبات الاجتماعية، من خلال خلق المناخ المناسب للتوازن الداخلي والخارجي، بين الرغبة في التعاطي مع المتغيرات المتسارعة، والحفاظ على المرتكزات الثقافية المتوارثة.

بكلمة، فإن المسؤولية المجتمعية عنصر أساسي، في تحريك البيئة الاجتماعية، لمواجهة مختلف أنواع الاختبارات، على مختلف الأصعدة، مما يساعد في تعزيز الهوية الثقافية، لدى الفرد، والعقل الجمعي في الوقت نفسه.

كاتب صحفي