أبعاد قيمية في زيارة الإمام الحسين (ع)
لا بد في نظرنا المعرفي وبيان الوجه العقائدي والتربوي لزيارة الإمام الحسين الخروج من الإطار التقليدي والنظر لها كوجه فقهي مستحب، إذ هذه الزيارات الشريفة تحمل بين طياتها الكثير من المعاني والمضامين العالية والتعريف بالإمام المعصوم وبيان جزء مهم من سيرته الشريفة، وهي برنامج روحي وأخلاقي تدريبي يستقي من خلاله الزائر مجموعة من المفاهيم والقيم التي تتحول إلى سلوكيات وتصرفات، يسير فيها على نهج الإمام الحسين وما كان عليه من خضوع تام للإرادة الإلهية وتسليم كامل ورضا بالقضاء، حتى وإن كان سيواجه فيه ظرفا عصيبا أوحديا يحتاج إلى روحية خاصة وصناعة ربانية غذتها يد الرحمة والجمال الإلهي، وهكذا يواجه المؤمن في أوقاتها الصعبة ودورات الزمن والأزمات المتشابكة بتلك الروح الحسينية الواثقة بالتدبير الإلهي، يتحرك وعونه بعد الاستعانة بالله تعالى العمل المثابر والخطى المدروسة والصبر والتكيف مع العقبات، والانطلاق بكل قوة واقتدار في طريق العمل المثابر والمدروس بحكمة وفطنة.
وقراءة الزيارات الشريفة بتمعن تعطي بعدا تعريفيا بمقام وجاه الإمام الحسين والأبعاد النورانية في شخصيته، فيكفي في مطالعتنا لزيارة وارث أن نجد هذا التركيز على أنه وارث الأنبياء العظام مع تعداد لأهم تلك الشخصيات منهم، وبالطبع لا نستطيع أن نبدأ البحث في تلك العلاقة الوراثية المنطوية على البعد المعنوي قبل أن نتعرف على حركة الأنبياء وجهادهم وأمرهم بالمعروف ودعوتهم التوحيدية والتخلص من شوائب الشرك والانحرافات العقائدية الباطلة، والسلوكية التربوية الداعية إلى تنزيه النفس من الآفات والأمراض الأخلاقية وكيفية التخلص من الطرق الموصلة إليها، ومن ثم ننطلق لعقد المقارنة وبيان أوجه الاشتراك والتشابه في حركتهم الدعوية للحق والفضيلة، فهذا الإمام الحسين في أحد أهم خطاباته المبينة لأهداف حركته الإصلاحية يؤكد على مبدأ سار عليه الأنبياء تسلسلا، «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
فالنهضة الحسينية لم تكن منطلقاتها عبثية غير مدروسة ولا وليدة انفعالات آنية ولا منطلقة من أهداف دنيوية ومصالح خاصة، وإنما هي حركة خالصة لوجه الله تعالى والمبتغى منها تحقيق الإرادة الإلهية بسير الإنسان في طريق الصلاح وتجنب الخطى المعوجة وأوجه الفساد، وهكذا كانت امتدادا لهذه المسيرة الخيرة العاملة على إصلاح ما اعوج من أحوال وأفكار وسلوكيات الناس بالأسلوب الأمثل والخطاب الواضح، ومقام الإنسان ورفعة شأنه تنبثق مما تحمله نفسه من صفات وخصال في ميدان الكمال الإنساني والمنهج الأخلاقي، وهذا ما جعل الإمام الحسين قبلة وموئلا لكل أصحاب النفوس الحرة والمنصفة ممن قرأ ملحمته البطولية وما صاحبها من خطابات وكلمات ومواقف تدل على سمو ورفعة شأنه .
الزيارات تحمل في طياتها القبسات والومضات الفكرية والمعرفية والتربوية، ويمكن استخلاصها من خلال تسليط أدوات البحث والتعمق الدقيق، فعندما نتأمل شهادة الزائر للإمام الحسين : أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة …»، فما هو المقصود بالشهادة للإمام الحسين بأنه التزم الأحكام الشرعية وما حاد عنها قيد أنملة أبدا؟!
هذه الشهادة ليست بمستوى تقديم إثبات للجانب العبادي والإيماني لهذا الإمام العظيم، وإنما هو تعريف بالخط الامتدادي لنهج الرسول الأكرم ﷺ والأئمة الأطهار ، والذي ما حاد أبدا عن تحقيق الإرادة الإلهية والالتزام بأوامره، ويتمثل ذلك بالدعوة إلى إصلاح وتهذيب النفوس والعمل المثابر لتحقيق العدالة الاجتماعية، كما أنها من جهة أخرى دعوة للاقتداء بسيرة هذا الإمام بعد معرفة نهجه ومسيره وصفاته، فليس هناك من طريق تهذيبي وتربوي كالاقتداء بالعظماء واتخاذهم نموذجا يسير المرء على خطاه، فالانتماء للإمام الحسين لا يكون بالادعاء وإنما هي مظاهر سلوكية تظهر في تصرفات وكلمات ومواقف الفرد، فمتى ما كان ملتزما بتلك العبادات ومضامينها الأخلاقية الداعية إلى تكامل الفرد وتخليه بصفات الصدق والتعامل الحسن مع الآخرين أصبح حينئذ حسينيا.
?