آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:50 م

مضيف براية الحسين

عبد الله الناصر

إن تجسيد المبادئ الحقيقية لثورة الإمام الحسين في حياتنا، هو الهدف الأساسي من كتابة هذه الأسطر، وكلي إيمان أن تغيير مستوى الفكر في مأتم أو حسينية واحدة، ممكن أن يحدث تغييرًا لا حدود له من الاتساع بعد ذلك على مستوى البلاد ويتلوها العالم.

هناك صراع قائم على فكر الضيافة الحسينية لضيوف ومستمعي ومعزي الإمام الحسين، هذا الصراع بدأ يغزو بعض المضايف باتخاذهم طابع الإسراف والتبذير والمغالاة في توزيع بركات الإمام الحسين للناس؛ هذا الطابع بعيد جدًا عن راية الإمام الحسين التي ارتفعت بالبساطة وعدم التكلف، هذا ما جعل الأجيال الجديدة تغير مفهوم المضايف لتكون أشبه بالاحتفالات وتسابق الناس وتدافعهم للحصول على تلك البركات، بالوقت الذي يتوجب علينا استشعار وجع وعطش وألم إمامنا وتضحياته.

وفي ظل هذه التغييرات على ثقافة المضيف الحسيني التي شوهت هوية عاشوراء وطقوسها، بات من الضروري البدء والمباشرة بالعمل الجاد لحل هذا الاختلاف بعمل تعاوني جاد ومنظم وممنهج.

إن طريق الخدمة الحسينية ليس طريقًا مرصوفًا بالورود، هناك صعوبات وعراقيل، تلك العراقيل ابتدأت منذ سنين حين قدم الإمام الحسين تضحياته وأهل بيته من أجل أن ينشروا لنا قيماً وعبرا نستدل فيها الصواب والخطأ من صميم وواقع حياتنا.

الفقير والغني اليوم يطمحان أن يقدما الخير في شهر الحسين، من خلال مضايف يبتغون فيها أجر العطاء ونيل البركات وتقبل الدعوات والحرص على توريث الأجيال قيمة عاشوراء، ففي هذا العمل راحة غريبة للنفس.

فإذا كنت أحد هؤلاء رجلاً كنت أو امرأة لطفاً؛ وقبل أن ترفع راية الحسين على البيوت والمساجد والمآتم والحسينيات، وتبدأ بتجهيز مضيفك اقرأ التالي:

1 - المضيف ليس مكانًا لإبراز المقدرة المالية والسخاء الكريم، فهناك المقتدر الذي يضع ما لذ وطاب في مضيفه، وهناك الشخص البسيط الذي وفر علبًا من الماء البارد ووضعها في أقرب مضيف موجود بالقرب من منزله؛ ليكسب فيه أجر بركة الإمام. كلاهما أعطى لكن الفرق أن المقتدر جعل المضيف مهرجانًا يقدم فيه الطيبات، والشخص العادي قدم ما يروي الفؤاد من العطش، وهو يتذكر عطش الإمام الذي لم يروَ.

2 - إن ثقافة المضيف الناجح هو ما يقوم بتغيير صفة البذخ من المعطي، ويغير صفة الطمع من المستفيدين منه؛ لذلك بإمكان المضيف أن يغير عادات الفرد ويغير ثقافة البلد.

3 - أغلب الناس في منطقتنا تمتلك - ولله الحمد - قوت يومها؛ لذلك هدف المضيف هو توفير الحاجة المؤقتة من الجوع والعطش، وتوفير ما يسد هذه الحاجة بشيء يناسب الوقت والجو وهو ما يسمى ببركة الإمام.

4 - المضيف ليس مكانًا للتنافس، ففي قرانا اليوم العديد من المضايف التي تُفتح بنفس التوقيت والأيام، والمزايدات والمبالغات فيما يقدم فيها لا يتناسب مع ثقافة من تصدح المنابر باسمه، محرم هو شهر وحدة المسلمين والمضيف مكان نثبت فيه أن الإنسانية شعارنا، وأن إحياءنا للشعائر موضع عز وتطور وعطاء، وليس مكانًا للإسراف والتبذير.

5 - الأصل في المضيف هو البساطة والوسطية. وهو المتعارف الصحيح منذ سنوات؛ لكن قيام بعض المضايف بتغيير هذه الأمور بالإسراف والبهرجة؛ جعل الناس تنخرط بهذا الطريق مبتعدين عن الأصل؛ مما كون سلبيات كثيرة أدت إلى رؤية المضيف بشكل سلبي، بسبب كمية الأموال التي تبذل فيه، والذي يرى المجتمع أن مكانها الأنسب في مساعدة المحتاجين بدل أن تصرف في توزيعات المضيف. حان الوقت للبدء بتغيير العادات الخاطئة التي تم اكتسابها مؤخرا.

6 - يتحمل أصحاب المأتم مسؤولية هدف المضيف، فمن يجعل منه مكانًا للبذخ؛ فهو مسؤول في المجتمع على كل ما يتبع من سلبيات هذا الهدف، وما يتخذه الناس من سلوكيات الطمع والرغبة بامتلاك كل ما يقدم في المضيف. ومسؤول عن ما يراه العالم لنا في إحياء شهر محرم.

اجعلوا لعطائكم بصمة تغيير وموقفًا يفرض فيه رقي الفكر بعيدًا عن التفاهات والإسراف، ولا تجعلوا من ورائها منظورًا من التباهي والمصالح والتعالي. أيام تفصلنا عن موسم يصدح به اسم الحسين صباحًا وعصرًا ومسية، وكل أعين العالم نحو شيعة أهل بيت النبوة متجهة، تتصيد الأخطاء لانتقادها، فلا تجعلوا الغرب يرون عاشوراء بإطار لصورة زائفة عنا، بل اجعلوا أخلاق وقيم الحسين تصدح نورًا في كل بيت وشارع وحسينية.

يصادف شهر محرم فصل الصيف حيث الجو مرتفع الحرارة، ويقع على أصحاب المضايف مسؤوليات كبيرة، لذا يجب الانتباه أن كل ما يوضع ويقدم، ويوزع مناسب ويتحمل الدرجات العالية؛ للوقاية من حالات التسمم.

إن كل ما يقدم باسم إمامنا المظلوم، يجب أن تقدمه شخصيات تليق بالعمل التطوعي والإنساني، ومن خلال مشاهداتي في السنوات السابقة، لم يوفق الكثيرون في اختيار الشخصيات المناسبة للعمل في المضايف، هذه بعض المقترحات التي ستسهم في حل هذه العقبة:

1 - اختيار فئة شبابية، لديها رغبة بالعمل التطوعي، والحس الإنساني، والوجه المبتسم. ويكون مبدأهم أنهم لخدمة الناس وليس تعاليًا عليهم.

2 - يفضل أن يكون لباسهم موحدًا، وجميل لو خصصت عبارة معينة تكتب على التيشيرت مثل «نحن عشاق الحسين» «لبيك يا حسين».

3 - من واجبهم أن يتقبلوا الزوار كما هم، فلا فرق بين المواطن والعمالة الأجنبية، ولا فرق بين الكبير والصغير، ولا واسطات ومعرفة في المضيف، فكل من يقف هو ضيف يقدم له التقدير.

4 - من بين أجمل المشاعر أن تظهر للناس الاحترام والتقدير، وأنك بخدمتهم لا فوقية بالتعامل؛ لذلك عاملهم كما تحب أن يعاملوك، وهذا ما يجب أن يتصفوا به.

4 - القدرة على المحافظة على النظام والترتيب؛ لتوفير الوقت والجهد، وعدم الازدحام خاصة في أوقات الذروة بعد انتهاء مجالس العزاء.

5 - مساعدة كبار السن والأطفال الصغار، والحرص على توجيه الناس للنظافة فيما يخص المضيف وما حوله، بتوفير أماكن متعددة لرمي المخلفات، ويفضل وضع ملصقات على الأماكن المخصصة للنفايات تشجع على ذلك؛ لنثبت أن الثقافة الحسينية ثقافة حياة متكاملة.

6 - التعاون بين الأعضاء المتطوعين في المضيف، فلا طبقية بينهم وجميعهم بمقام واحد بالعمل، وهدفهم واحد وروح التعاون بينهم عالية في الخدمة، واستخدام لغة حوار راقية بين بعضهم البعض. والبعد عن تصوير الناس أثناء الخدمة.

7 - توفير عدة إسعافات أولية للطوارئ؛ للتعامل مع الحالات البسيطة التي يمكن أن تقع في أثناء وقت المضيف.

8 - الحرص على لبس القفازات ونظافة المضيف ومعداته بشكل مستمر، والبعد عن العبثية وعدم التنظيم.

لقد كنا وسنواصل ولن نتوقف أو نبتعد يومًا عن خدمة هذا الصرح الحسيني، ووضعنا على أكتافنا رايات الحسين بكافة مستوياتها، وبدل أن نتصارع على توزيعات المضايف، لنتصارع لإظهار جوهر ووحدة محبي أهل البيت ومنعها من الزوال.

خاض الإمام الحسين معركة من أجلنا، وشهدت كربلاء كل أحداثها، تلك المعركة مازالت مفتوحة، ظن يزيد أنها انتهت برحيل الإمام الحسين، لكنها ما زالت قائمة، حاربت فيها السيدة زينب بعد أخيها، وتوالى أهل بيت النبوة من بعدها، واليوم يتحمل شيعتهم تكملة المعركة، فلنجعل من موسم عاشوراء الصحيح بكل مقوماته أسهمًا قاتلة في فكر كل من يتمنى تشويه الثقافة الحسينية والأخلاق المهدية.

هل تريدون المضي براية الإمام؟ هل ترغبون بتسليم هذه الراية إلى أولادكم من بعدكم؟ نتيجة المعركة المفتوحة بأيديكم إذا.