آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:17 م

مصداقية المصالح

محمد أحمد التاروتي *

التمسك بالقيم الأخلاقية عملية أساسية، لتكريس الثقة وتدعيم المصداقية، على الإطار الاجتماعي، فالتلاعب في المفاهيم الأخلاقية ينسف المصداقية، ويضرب جميع القيم الثابتة من جذورها، لا سيما وأن النظرة الانتقائية للالتزام بالثوابت، واستخدام المصالح كمعيار ثابت، في تحديد بوصلة المصداقية، ينعكس بصورة مباشرة على كافة التعاملات الإنسانية، خصوصا وأن التعاطي الانتقائي لا يخدم المنظومة الأخلاقية على الصعيد الاجتماعي، الأمر الذي يخلق العديد من الإشكالات، جراء وجود متناقضات في الممارسات الحياتية، في ترجمة القيم الأخلاقية على الواقع الخارجي.

مبررات التخلي عن القيم الأخلاقية، ليست قادرة على الصمود أمام الحقائق الراسخة، فاختراق المنظومة الأخلاقية لا يخدم المرتكزات الثابتة على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وأن التخلي عن المبادئ، والقيم يمثل مدخلا للانخراط في المسارات الخاطئة، بحيث يتجلى في تشجيع بعض الأطراف المريضة، على انتهاج السلوكيات المدمرة للكثير من القيم الأخلاقية، مما ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة العلاقات القائمة، خصوصا وأن هناك ترابطا بين المرتكزات الأخلاقية والممارسات الحياتية، وبالتالي فإن التفريط في الجانب الأخلاقي، يترجم على طبيعة العلاقات في المحيط الاجتماعي، من خلال اعتماد سلوكيات غير منسجمة مع المنظومة الأخلاقية.

امتلاك القوة، والقدرة على تسويق الخطوات غير الأخلاقية، عناصر مشجعة على انتهاج السياسات التدميرية للمصداقية على الصعيد الاجتماعي، فالقوة المفرطة تخلق حالة من الزهو، والغرور الذاتي، بحيث تقلب الأمور رأسا على عقب، انطلاقا من القدرة على الإمساك بزمام الأمور من جانب، وإمكانية تمرير تلك الممارسات الخاطئة من جانب آخر، بيد أن استمرارية تلك الخطوات غير الأخلاقية، مرتبط بظروف خارجية وعوامل داخلية، فإذا كان المناخ الخارجي متوترا ومضطربا، فإن عملية تمرير الخطوات الخاطئة، بمثابة مغامرة، ومخاطرة كبرى، كما أن الظروف الداخلية تلعب دورا مؤثرا، في القدرة على الاستمرار، في لعبة خرق القيم الأخلاقية، انطلاقا من ردود الأفعال تجاه تلك اللعبة غير المبررة، بمعنى آخر، فإن التعويل على القوة، والماكينة الإعلامية الضخمة، في تهيئة المناخ الاجتماعي لتمرير تجاوز القيم الأخلاقية، يحمل في طياته الكثير من المخاطرة، جراء وجود مفاجآت غير متوقعة، مما يعني إحباط جميع الخطط المرسومة، للاستمرار في هذه اللعبة غير المقبولة اجتماعيا.

الواجب الأخلاقي يفرض انتهاج الطريقة السليمة، في التعاطي مع مختلف القضايا، من خلال اتخاذ المسار الواضح، وعدم اللجوء إلى الطرق الملتوية، للوصول إلى الأهداف، انطلاقا من ”حبل الكذب قصير“، كما أن ”الصدق منجاة“، فتقديم المصالح على المنظومة الأخلاقية يقلب الكثير من الموازين في البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يعطي المبررات للكثير من الشرائح الاجتماعي، بوضع المصداقية ”جانبا“ أو وراء الظهر، وكذلك العمل على تقديم المصالح الذاتية، على كافة القيم الثابتة، مما يخلق حالة من الصراع الداخلي، جراء سيطرة بعض المفاهيم الخاطئة، على جميع الممارسات اليومية في البيئة الاجتماعية.

مناصرة الأصدقاء في الشدة والرخاء، لا يبرر التخلي عن المنظومة الأخلاقية، فالدعم بمختلف أشكاله يتطلب الالتزام بالمبادئ الإنسانية، والعمل على تكريس المبادئ الحاكمة في العلاقات الاجتماعية، بينما التعدي على القيم الفاضلة ليس نصرة للأصدقاء، بقدر ما يمثل اعتداء صريحا للبيئة الاجتماعية، كما يمثل إظهار واضح لطبيعة التفكير، في ممارسة مفهوم النصرة للأصدقاء، خصوصا وأن التخلي عن القيم الأخلاقية يضرب الكثير من المرتكزات الثابتة، ويؤسس لمفاهيم خطيرة، ويساعد في تكريس ثقافة تدميرية، على الصعيد الفردي، والاجتماعي في الوقت نفسه.

تبقى المنظومة الأخلاقية ميزانا ثابتا، في الحفاظ على العلاقات الإنسانية، في بالبيئة الاجتماعية، فالنظرة القاصرة لتحقيق بعض المكاسب الوقتية، لا تقتصر تداعياتها في تدمير المفاهيم الفاضلة في المرحلة الراهنة، ولكنها تشمل كذلك تكريس بعض الثقافية المصلحية، مما يعني الدخول في مسار خطير على الإطار الاجتماعي، نتيجة اعتناق ممارسات قائمة على ضرب القيم الأخلاقية، وترجيح المصالح على الالتزامات الأخلاقية.

كاتب صحفي