العصبية المحمودة
العصبية تدخل المرء في مسالك خطيرة بالمسيرة الحياتية، فهذه الصفة لا تجلب سوى الويلات على الإطار الاجتماعي، حيث تسهم في إثارة النزاعات، وتدخل المجتمع في دوامة الاختلاف، نظرا لوجود مرتكزات معاكسة لطبيعة العلاقات الاجتماعية، بحيث تقدم الأموال والمناصب على القيم الأخلاقية في مختلف الأعمال، الأمر الذي يتسبب في إحداث شروخ عميقة في مستوى العلاقات الإنسانية، وبالتالي وضع البيئة الاجتماعية في اتجاهات غير صائبة، سواء بالنسبة للتعاطي مع الآخرين، أو في طبيعة النظر تجاه المستويات الاجتماعية.
التحرك وفق النظرة القاصرة للعلاقات الاجتماعية، يخلق اختلالات عميقة في المنظومة الأخلاقية، القائمة على المساواة والتعاطي بالندية في مختلف الأمور، فالأموال والقبلية ليست قادرة على تشكيل علاقات اجتماعية مستدامة، خصوصا وأن الأموال والمناصب ليست دائمة، فالمرء يمسي غنيا ويصبح فقيراً، كما أن ينام صاحب منصب وجاه، ويصحو فاقدا لتلك المناصب، وبالتالي فإن التحرك وفق قواعد خاطئة في التعاطي مع البيئة الاجتماعية، ينعكس بصورة مباشرة على الطبيعة الفكرية في المسيرة الحياتية، لا سيما وأن الفوقية ليست قادرة على بناء الإنسانية من الداخل، بقدر ما تسهم في تشكيل شخصيات متكبرة على الواقع الاجتماعي.
إعادة رسم المفاهيم بما يتناسب مع المنظومة الأخلاقية، عملية أساسية في برمجة المسيرة الحياتية، فالتحرك وفق منهجية واضحة في تشكيل العلاقات الاجتماعية، ينعكس بصورة مباشرة على الممارسات الخارجية، تجاه البيئة الاجتماعية، فالاعتماد على القيم الأخلاقية في بناء شبكة العلاقات مع الآخرين، يقضي على بعض الممارسات السلبية، والقناعات الخاطئة، خصوصا وأن البيئة الاجتماعية تلعب دورا فاعلا في نسف بعض القناعات الخاصة، وكذلك تساعد في تكريس قناعات أخرى، وبالتالي فإن سيطرة المنظومة الأخلاقية على الواقع الاجتماعي، يساعد في تخفيف الجانب العصبي في الممارسات الحياتية.
اعتماد القيم الأخلاقية معيارا في بناء العلاقات الإنسانية، والحرص على الالتزام بالخصال الحميدة، عنصر فاعل في الارتقاء بالمفاهيم السائدة في البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن الانحطاط الأخلاقي، والعمل على تشكيل مفاهيم سيئة، في شبكة العلاقات الاجتماعية، يسهم في نخر الجسد الاجتماعي من الداخل، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة التعاملات اليومية، نظرا لوجود أمراض أخلاقية متجذرة في الثقافة الاجتماعية، وبالتالي فإن الحرص على العصبية الأخلاقية عنصر مطلوب على الدوام، في كافة أشكال العلاقات الاجتماعية.
خلق المناخ الملائم لإشاعة المنظومة الأخلاقية، يتطلب بناء الإنسان على الفضائل، والعمل على تكريس المفاهيم الداعمة للخصال الحميدة على اختلافها، خصوصا وأن توظيف المرتكزات الثقافية السليمة، في بناء الشخصية في البيئة الاجتماعية، ينعكس بشكل مباشر على الآليات المستخدمة في استخدام تلك المفردات، في التعاطي اليومي مع مختلف الشرائح الاجتماعية.
التعاطي بطريقة مغايرة مع المفردات العصبية، عنصر فاعل في عملية التحول الإيجابي، فالاستسلام للثقافة العصبية يخلق مجتمعا غير قادر على الحياة، نظرا لوجود أمراض اجتماعية خطيرة، مما يؤسس لحالة من الصراع الداخلي، سواء على الإطار الشخصي أو الاجتماعي، فالصراع الخير مع الشر يعطل الاستقرار النفسي، نظرا لوجود ضغوط داخلية تحث على الالتزام بالمنظومة الأخلاقية وممارسات خارجية تدفع للسير بخلاف القيم الفاضلة، الأمر الذي يسهم في أحداث اشتباكات عديدة في البيئة الاجتماعية، بمعنى آخر، فإن العمل على تحريك المفاهيم العصبية بالاتجاهات المعاكسة، يساعد في وضع الأمور في المسارات الصائبة، ويفوت الفرصة على الثقافة المعكوسة، التي تحاول فرض هيمنتها على العقل الجمعي في البيئة الاجتماعية.
وفي هذا الصدد يقول الإمام علي ، ”فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب، ويعاسيب القبائل بالأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، والآثار المحمودة. فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار، والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل، والكف عن البغي، والإعظام للقتل، والإنصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الأرض“.