كلمات في السفر
السفر نشاط عرفه البشر منذ الأزل، يمارسه الجميع تقريباً لأغراض متعددة، منها التجارة والعمل والتعليم والاستشفاء وأداء الشعائر الدينية والسياحة وغيرها من الأغراض، حتى أضحى السفر من أهم الأنشطة البشرية في عالم اليوم وصناعة رئيسية في الاقتصاد العالمي يبلغ حجمها مئات مليارات الدولارات.
قديماً قال الإمام الشافعي في الترغيب في السفر:
تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلَى
وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ
وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد
لكن كلام الشافعي على جماله وحكمته إلا أنه يبقى محصوراً في الفوائد المباشرة والآنية المستفادة من السفر.
لكن لو تعمقنا أكثر في فوائد السفر، لوجدنا أنه ثمة ميزات وفوائد وآفاق لا تنجلي، الا مع الترحال والتجوال في أرض الله الواسعة، فمع السفر يكسر المسافر روتينه اليومي وحياته المعتادة ويواجه نمطاً مختلفاً من الحياة، قد يكون تحدياً صعباً لدى البعض، مما يبرز الحاجة إلى التحلي بالمرونة والاستعداد لمواجهة المتغيرات وحالات الطوارئ، وهذا يضفي قوة مادية ومعنوية للشخص المسافر، وهذه من الفوائد العظيمة للسفر.
إن حالة السفروالترحال، توفر للمسافر اطلاعاً أوسع على حال البشر حول العالم، فمن خلال التجوال شرقاً وغرباً، يتمكن المسافر من مشاهدة ومعاينة الواقع كما هو وبرؤيته الشخصية، لا كما تصوره أجهزة الإعلام أو حسابات التواصل، التي تحاول تصوير الواقع وفق أجندتها ونظرتها وسياستها التي تخدم أغراضاً معينة، لا أقول أن المسافر سيتمكن من الوصول إلى الحقيقة كما هي، لكن على الأقل، يمكّنه السفر والحضور الميداني للحدث المعين، من رؤية الواقع بعينه ووفق عدسته الخاصة، وأن يصدر حكمه على الواقع حسب رأيه، بأقل قدر ممكن من تدخل أطراف خارجية تتلاعب بعقله وتفكيره.
يوفر السفر كذلك، قدراً أعمق من الاستفادة من تجارب الآخرين، فحالة القرب والاحتكاك المباشر التي يعيشها المسافر مع حياة الشعوب التي يزورها، تعطيه ميزة التراكم المعرفي ومعايشة العادات والتقاليد وأنماط العيش المختلفة على نحو مباشر، وليس عن طريق وسائط الإعلام والتواصل، فشتان بين حالة التأثر والتفاعل في وضع المعايش للحدث كما هو بأحاسيسه ومشاعره وظروفه ومناخه، ومن شاهد عبر شاشة وسيلة تواصل.
في الختام، السفر ضرورة حياتية لمعظم البشر لأغراض شتى، وفيه منافع وفوائد عديدة لا حصر لها، ولكن قد لا يتمكن البعض للسفر لأسباب متنوعة، ولكن من تسمح ظروفه بالسفر وهو محب له وراغب فيه، لا ينبغي له أن يترك السفر لكسر الروتين وترويح النفس واكتساب المعارف والاطلاع على أحوال البشر ومعاينة الواقع كما هو بعيداً عن وسائل التواصل والإعلام التي قد تزيف الواقع لأغراض محددة.