آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:17 م

الإمام الكاظم (ع) نجمة مضيئة ‎

البحث والتأمل في سيرة العظماء واتخاذهم قدوة في المنهج الأخلاقي والتربوي تعد ومضة نجاح وتقدم في مسيرة الإنسان نحو التكامل واكتساب الفضائل، إنه ليس بالبحث العبثي أو الترف الفكري الذي يعود بالفرد بعد كرته وجهده بالنتائج العقيمة وانعدام الفائدة، ولا يعد تراجعا نحو الوراء بعد الاصطدام بالواقع والرجوع خطوات بدلا من اقتحام الصعاب والتقدم بثقة نحو البناء والإنجاز، وإنما هو بناء وصياغة للشخصية وفق أفضل المناهج والنظريات المساعدة له في إشباع جوانب شخصيته في الجهة المعرفية والأخلاقية والاجتماعية والفكرية، وذلك للتعامل مع الظروف الصعبة والأزمات والشبهات الفكرية من خلال ذلك الزاد الغني من سيرة العظماء والبناء عليه، فإن الطمأنينة والثقة بالنفس والهمة العالية لن تجد لها محفزا ومحركا قويا كقراءة سيرتهم والتمعن في مفرداتها واستخلاص العبر واستلهام الدروس منها، وهذا الإمام الكاظم مدرسة يتخرج من بين يديه التلاميذ في كل عصر الأجيال الواعية والمهذبة سلوكيا بما كان عليه من خلق رفيع ارتسم على وجوه كل من تعامل ووقف معه.

ومن نظر في سيرته يجده جزءا من المنظومة الأخلاقية والتربوية لرسول الله ﷺ والأئمة الطاهرين على مستوى العلاقة بالله تعالى والمعرفة بعظمته والخشية منه، فتلك العبادة لراهب آل محمد ﷺ تنطلق من أبعاد وأهداف العبادة التي تصنع شخصية مطمئنة تأنس بذكر الله تعالى وتثق بتدبيره وكله يقين ورضا بقضاء الله تعالى مهما كانت اتجاهاته وصروفه، فالجمال الإلهي قبلة العارفين وهو ما يجعلهم يعزفون عن حطام الدنيا الزائل ويزهدون في اقتناء زخارفها وزينتها، فتحقيق الكرامة الإنسانية ورفعة الشأن تتحقق بإرادة الإنسان وحريته في الاختيار دون الوقوع تحت نير أغلال حب الدنيا، فالعبادة انطلاقة المؤمن في فضاء الحب الإلهي مما يورثه محاسبة لنفسه وجوارحه وورعا عن المحارم والسقوط في وحل ومستنقع المعاصي والمنكرات، والضبط الذاتي ووجود قوة فكرية وسلوكية تنظر للأمور بوعي وبصيرة ومن ثم تتخذ القرار المناسب دون الخضوع للأهواء والشهوات المتفلتة، هو ما يحفظ المرء في وسط حفر المكر وتزيين الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، والعبادة أهم السبل التي تحفظه وتعلي نفسه وتفطنه بما يحاط به من فتن وحفر مكر وخطط شيطانية، والاستجابة السريعة لتسويلات الشيطان هي نتيجة الخواء الروحي والفراغ الإيماني فيقع فريسة سهلة.

ولقد كان الإمام الكاظم مثالا رائعا ونموذجا يحتذى به في طريق العمل الرسالي والتبليغي والعمل المثابر في وسط التحديات والأزمات، فهذه الحياة غير مفروشة بالرياحين ليسلكها المرء بسهولة وبأدنى جهد منه، بل هي عقبات وعراقيل وضغوط حياتية عليه أن يتعامل معها بهدوء واتزان فكري ووجداني بغية التوصل لأفضل الحلول وأنسبها، فمن يتجلبب باليأس والروح التشاؤمية من المستقبل المجهول بسبب مواجهة مجموعة من العقبات والصعاب، يجد صوت الإمام الكاظم ونهجه العملي خير معين له ينتشله مما هو عليه من ضياع وحيرة وضعف نفسي، فصروف الزمن الصعب لم تستطع أن تثني الإمام الكاظم عن السير على نهج آبائه الطاهرين في طريق التبليغ والتوجيه بكل ما أوتي من قوة نفسية، فواجه الشبهات العقائدية والقرآنية المطروحة في الساحة الفكرية في زمانه، فواجهها بتلك الأساليب العقلية والبرهنة على الأجوبة التي يطرحها فيجنب الأمة ويلات الاختلاف والوقوع في الشبهات، واستطاع الإمام - رغم تلك الظروف القاهرة التي عاشها - أن يتخرج على يديه مجموعة من التلاميذ الذين نهلوا من معين علمه ومعارفه النيرة وانطلقوا بجناح المعرفة والخلق الرفيع لتنوير عقول الناس وصناعة شخصياتهم، وهذه العناية والاهتمام من الإمام الكاظم صنع النهج المعرفي والأخلاقي لتلاميذه والأجيال المتلاحقة ليكونا الطليعة الواعية والمتحملة لمسئولياتها.

513872