الاعتدال والوسطية سلوك حضاري...
يعيش مجتمعنا حراكًا ثقافياً نشطاً، ويطرح أطروحات متنوعة على المستوى الديني والاجتماعي والأدبي حيث يحاول بعض من المثقفين أن يلقي حجرا في المياه الراكدة متى ما أتيحت الفرصة له ليتمخض عن ذلك خلق واقع فيه الكثير من المستجدات التي لم نألفها قبل نيف من الزمن، فهناك من يتعامل معها بحذر شديد وهناك من لا يتقبلها ولا يستسيغها حتى يحافظ على آرائه التقليدية التي رسخت في دهنه معتقدا بصحتها والسير على منوالها واضعا نصب عينيه إنها الطريق الصحيح في برنامج حياته ومعتقده العقائدي والفكري الذي يرى بصحة مساره وسلوكه واختياره، ويرى أن الخروج عن ما يتبناه ويعتقده هو طمس للحقيقة وبعدا عن الواقع.
على سبيل المثال ما يجري من مجادلات في النواحي الفكرية والدينية بالخصوص، فترى نفورا من أولئك التقليديين الذين يرون صحة ما يعتقدونه ويتبناوه وتراهم في معظم الأحيان متمسكين بأفكارهم التقليدية ليكونوا بعيدا عن التشتت والتيه والترف الفكري حسب رأيهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك فئة من المثقفين يطلق عليهم هذه الأيام بالحداثيين الذين يسعون بكل ما أوتوا من إصرار وقوة في تجديد الآراء والمعتقدات الدينية، بل إلى وضع نظريات وفلسفة تتفق والمفاهيم التي يرونها وتطور العصر؛ مما يستدعي في نظرهم إلى تقنين بعض المفاهيم الدينية والثقافية والأخلاقية التي في اعتقادهم أنها لا تتفق والنظرة السائدة في المفهوم الإنساني والحضاري المعاصر الذي شق طرقا جديدة من المعرفة، ودروب من الأفكار التي تؤيد نظرتهم، وأنها ترفع الإنسان إلى النضوج العقلي والانفتاح المعنوي في التعامل مع شؤون الحياة وكيفية معالجتها بأسلوب يتمتع بالمرونة والسلاسة الفكرية التي ترتقي والهدف الذي ينشدونه حسب ما يعتقدون ويؤمنون به.
وبين هذا وذاك هناك بعض المثقفين والمفكرين يرون أن الوسطية بين الطرفين المتضادين هو خير ما يدعون إليه، وذلك بأخذ الإيجابيات من المدنية الحديثة وترك السلبيات الناتجة عنها من كلا الطرفين بالدعوة إلى الاعتدال، حيث لا إفراط ولا تفريط، وذلك بالحفاظ على القيم والأهداف والمبادئ التي يأمر بها الدين الإسلامي الحنيف بترك التعصب الأعمى من كلا الطرفين، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى هلاك الأمة، ويعمل على تأخرها وإعطاء فرصة للمتشددين من الطرفين في فرض الأرضية التي لها يسعون وبألسنتهم يتناوشون. فالاعتدال والوسطية هما سيدا الموقف وأمانا من الفرقة.