كاريزما الشخصية وتأثيرها على الآلام المزمنة
هل شخصية الفرد من الممكن أن تؤثر على شدة ونوعية الألم ومدى استجابة المريض للعلاج؟
في الواقع شخصية المريض تلعب دوراً كبيراً في التحكم بدرجة الألم أو تهيجه، وتؤثر على مدى الاستجابة للعلاجات المختلفة أياً كان نوعها.
فالشخصيات المتفائلة، والتي دائماً تترقب الأفضل، وعلى أمل بأن السعي في العلاج سيأتي بالنتيجة المرجوة، تكون غالباً استجابتهم للعلاج ملحوظة.
فلو تعرضوا لإصابات حادة تكون عملية الاستشفاء لديهم سريعة، أما إذا تعرضوا لآلام مزمنة، فيكون لديهم تقبل أكثر للحالة ومقدرة على مضغ فكرة التعايش مع الألم على الرغم من صعوبتها.
وسنراهم يحاولون حثيثاً للسعي خلف البحث عن حلول ذاتية لإدارة الألم في مراحل التهيج وأيضاً هم لا يستسلمون لشعور الإحباط بشكل سريع، ويكونون مقتنعين بفكرة بأنها فترة مؤقتة، وسترحل مثل الفترات السابقة وغالباً لا يراودهم شعور العجز عن أداء أمورهم الحياتية اليومية.
فقد أثبتت الدراسات العلمية بأن المشاعر الإيجابية تساعد على تعزيز الاستجابة والتكيف مع الألم ولها دور مهم في تخفيف الآلام المزمنة بحد ذاتها، وكل ما زادت المشاعر الإيجابية تزيد من قدرة الجسم على التعامل مع سلوكيات الألم بشكل أفضل.
فالبعض من الشخصيات المتفائلة يعتبر آلامه هي الطريق الذي ساعده على استكشاف مواطن القوة في نفسه، وجعلت منه شخصاً يحاول أن يسابق الزمن باغتنام الفرص واستشعار السعادة في أبسط الأمور الحياتية والممارسات اليومية في الأوقات التي تكون فيها الحالة مستقرة، وليست فترة من فترات تهيج الألم.
أما عند انتقالنا للحديث عن الشخصيات المتشائمة في الطرف الآخر والتي دائماً ما تتوقع الأسوأ في حالتها، وإن جميع العلاجات لن يكون لها نتيجة وأثر في التحسن، وغالباً ما يكونون شخصيات تتميز بسرعة الهلع والقلق والذعر بسرعة عند التعرض لأقل إصابة.
فالتوتر والخوف يقلل من كفاءة هرمونات الاستشفاء الذاتية للجسم وغالباً إذا تعرضوا للإصابة بالألم المزمن تكون حساسية أجسامهم للألم جداً عالية، ويظلون في مرحلة ترقب وخوف من فترات تهيج الألم وتخيل لسيناريو مرعب عن الألم المترقب.
على الرغم قد تكون أسباب تهيج الألم واضحة جداً ومن الممكن تجنبها أو التعامل معها، ولكن للأسف الشديد فإن هذه الشخصيات تكون استجابتهم للعلاج غالباً ضئيلة وحتى مقدرتهم الجسدية ونشاطاتهم اليومية تكون محدودة، ويشعرون بالإرهاق بشكل سريع.
ففي إحدى الدراسات التي أجريت على عينة من الأشخاص الذين يعانون من هشاشة العظام في مفصل الركبة لدراسة مدى تأثير الإيجابية والسلبية على الألم والوظائف الجسدية، أشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين لديهم مشاعر إيجابية لديهم المقدرة على المشي ما يقارب 1200 خطوة يومياً، سواءً كانوا يعانون من ألم شديد حينها أو لا مقارنةً بالأشخاص الذين يعانون من نفس المشكلة ولكن مشاعرهم الإيجابية أقل.
وبالتالي فإن شخصية الفرد سواء كانت متفائلة أو متشائمة لها دور كبير في تعديل تجربة الألم المزمن وسلوكياته خلال الرحلة العلاجية.
وبالرغم من صعوبة التعايش مع الألم المزمن إلا أن التفاؤل ومحاولة خلق المشاعر الإيجابية تبقى المفتاح لتهدئة النفس والجسد.
فكما قيل: «تفاءلوا بالخير تجدوه»
ولعل أجمل ما قيل أيضاً في وصف تجاوز الألم بالتفاؤل: «لعل الابتلاء الذي لا تحّبه يقودُك إلى قدرٍ جميل لم تحلم بِه».
فدمتم بصحة وتفاؤل وأمل..