ابني يتجاهلني!!
الأسلوب القاسي الذي يتعامل به بعض الأبناء مع آبائهم وأمهاتهم يسبب حالة من القلق والدهشة عندهم، فالتغيرات المصاحبة لمرحلة المراهقة تخالف فترة الطفولة المتصفة بطاعة الوالدين واستماع كلماتهم التوجيهية، أما الآن فهناك حالة استدارة عكسية غير مرغوبة ولا مقبولة من الوالدين وتسبب لهما التوتر والقلق النفسي، فمع كل نقاش أو توجيه للأبناء يتحول إلى محطة عصبية وقابلة للانفجار، ولا يشعر معها الوالدان إلا بجحود وتجاهل وجرأة زائدة من الأبناء تخترق جدارية الاحترام، وتزيد من سعة الفجوة الناشئة في العلاقة مع أبنائهم وخصوصا أن الوالدين يتحركان من مبدأ العمل على راحة أبنائهم وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لهم، ومع ذلك يجدان ما يخالف منهجهما الطيب في طريق إحاطة أبنائهم بما يوفر لهم الحياة الكريمة والسعيدة.
سلوك التمرد ورفض أي توجيه من الوالدين يشكل ظاهرة جديدة تسبب القلق والضيق النفسي للوالدين، وحتى الحوار الهادئ الذي يوضح للشاب أو الفتاة الأضرار من تلك الخطوة أو القرار المرفوض من والديه، أو بيان المصلحة والنقاط الإيجابية لما يرشدانه إليه لا يلقى آذانا صاغية، بل ويتطور الأمر إلى الانفعال وإطلاق الكلمات القاسية في وجه والديه وإذا نبه على ذلك قال بأن هذه طريقته في الكلام!!
المشكلة تكمن في حيرة الوالدين في معرفة الطريقة المناسبة التي تعيد ابنهم إلى رشده وتعامله الهادئ والوازن، فسلوك العناد الذي يتعامل به مع بقية أفراد الأسرة محير ويبحثان عن العوامل المؤدية إليه دون جدوى، وفي هذه المرحلة بالتأكيد يصبح الشاب والفتاة أكثر ميلا واستماعا لأصدقائه ويرغب في قضاء معظم الوقت معهم، وحتى في الأوقات التي يتواجد فيها في البيت يكون مشغولا بالتواصل معهم عن طريق برامج التواصل الاجتماعي.
المزاجية والنفس الضيقة بالكلمة الطيبة من والديه من سمات مرحلة مراهقته، إذ يشعر بأن النصيحة نوع من التسلط عليه واستصغار عقله وشهادة بعدم قدرته على إدارة شئون حياته، والمحاولات المتكررة من والديه للدخول معه في نقاش هادئ يوصلان فيه فكرتهما، يتحول ذلك النقاش إلى كلام ساخن ولا جدوى فيه بل قد يتجاوز فيه الشاب آداب الكلام ويخترق جدارية الاحترام.
سلوك الشاب المراهق المتصف بالتمرد والنكدية والمزاجية يمثل تصرفات مزعجة وغير مقبولة عند والديه، ولكن معالجتها والتعامل الصحيح معها يحد من المشاكل والاحتكاكات معه، فلا بد من احترام وتقدير مبدأ الاستقلالية في شخصية الابن والتفاهم معه وتعريفه بحدودها ومدى مقبوليتها بحيث لا تصل إلى التفلت وتخطي الخطوط الأسرية والاجتماعية.
العاطفة الوجدانية تجاه الأبناء وإغداق مشاعر الحب والحنان اتجاههم وما يوفره ذلك من مصدر طمأنينة وأمان أسري، قد غيبه بعض الآباء والأمهات في وسط الانشغالات المتزايدة بالظروف الحياتية والاقتصادية، وذلك الهدوء النفسي والتخلص من الضغوط هو ما يسمح للوالدين بالتواصل مع أبنائهم بعيدا عن العنف اللفظي والصراخ أو تجاهل وجودهم، كما أن التعامل بقسوة وتسلط مع الأبناء يفقد العلاقة مع الأبناء الاحترام ويولد التمرد والعناد، والخروج عن قيم الأسرة والتي يعتبرها الشاب حينئذ أسوارا تقيده ولا بد من مواجهتها، وهذا ما يحتم على الوالدين الاهتمام المستمر باحترام شخصية الابن وعدم اقتحام حياته بنحو فظ وسافر، فمهما كانت طريقة تفكيره واختياراته وقراراته فإن المخرج الوحيد للوصول إلى نتيجة مرضية معه هو النقاش معه وتقديم الاحتمالات الأخرى أمامه ليقرر بشكل جيد ومناسب، والتودد للأبناء والتفاعل مع عالمهم واهتماماتهم يشكل جوا مناسبا لعلاقات مثمرة، كما أن القيم الأخلاقية والتربوية التي اكتسبها الشاب من أسرته منذ طفولته تلعب دورا مهما في حفظه من الانزلاق إلى دائرة التفلت، وردات الأفعال من والديه سيكون لها شأن في إعادته لحساباته واتخاذ قرار الاعتذار عن الخطأ الذي ارتكبه، وتبقى دائرة أمور الأسرة تحت نطاق الضبط والسيطرة بقدر سعة صدر الوالدين وتحملهم لسلوكيات وتصرفات أبنائهم.