البوصلة الخاطئة
تحديد الاتجاه الصائب عملية أساسية، لاستمرارية السير على الطريق الصحيح، فالانحراف بمختلف مستوياته يعطل المسيرة، ويعرقل تحقيق الأهداف المرسومة، نتيجة الخروج عن المسار السليم، وعدم تحديد الخط المستقيم بدقة متناهية، الأمر الذي يقود للتخبط، وعدم الاستقرار على المستوى الفكري والاجتماعي، خصوصا وأن الوصول إلى الغايات المنشودة هدف أساسي، في جميع المخططات المرسومة، وبالتالي فإن التحرك في الاتجاهات الخاطئة، يكون نتائجه كارثية أو خطيرة في الغالب.
المرتكزات الفكرية تشكل المدخل الأساسي، للسير خلف الطريق الواضح، فهذه المرتكزات تشكل البوصلة القادرة، على تحديد الاتجاهات الصائبة في جميع الأوقات، سواء في أوقات الرخاء أو زمن الشدة، بحيث تتجلى في الثبات على المواقف ذاتها، وعدم الرضوخ لمختلف التهديدات أو التنازلات، مهما كانت التحديات، نظرا لوجود قواعد ثابتة يصعب تجاوز على الإطلاق، وبالتالي فإن وجود المرتكزات الفكرية يعطي المرء قوة معنوية، في مقاومة مختلف أنواع الضغوط، ومواجهة كافة أنواع التهديدات بمختلف أشكالها، سواء كانت مادية أو معنوية.
المتغيرات على الساحة الاجتماعية، ليست مبررا لتغيير اتجاه البوصلة على الإطلاق، خصوصا وأن المتغيرات مرتبطة بعوامل عديدة، بعضها ذات طابع ثقافي والبعض الآخر ذا منطلق اقتصادي، والبعض الثالث نتيجة الضغوط الخارجية، وبالتالي فإن المتغيرات ليست قادرة على وضع المسارات السليمة على الإطار الفكري، انطلاقا من العوامل الخارجية الداعمة لظهورها على الساحة الاجتماعية، بمعنى آخر، فإن مجاراة المتغيرات على الساحة الاجتماعية، لا يبرر التشكيك في القيم الثابتة، خصوصا أن المتغيرات ستكون محل اختبار في المرحلة القادمة، مما يجعلها تحت المجهر على الدوام، فإذا استطاعت الصمود في وجه التحولات القادمة، فإنها ستكتسب بعض الثقة لدى شرائح اجتماعية، ولكنها ستكون محل انتقادات بمجرد إبداء التنازلات، والانخراط في الطريق الجديد.
الثبات على المواقف والتمسك بالقيم، في مواجهة التحديات والمتغيرات على الساحة الاجتماعية، لا يمثل جمود أو عدم قدرة على التأقلم مع الأوضاع المستجدة، بقدر ما يعطي إشارات واضحة لمختلف الأطراف، بالقدرة على الصمود، ومحاولة تسخير بعض التحولات بالاتجاه الصائب، خصوصا وأن الأفكار على اختلافها تحمل في طياتها، بعض الجوانب الإيجابية والأخرى السلبية، الأمر الذي يستدعي التمحيص، والعمل على استخراج الصالح ونبذ الطالح، بحيث لا تتعارض مع مجموعة القيم والثوابت، باعتبارها البوصلة القادرة على تحديد الطريق، باتجاه الهدف المنشود.
مواجهة التحديات والضغوط على اختلافها، لا يترجم بالرفض التام، وإظهار ”العناد“ في مختلف المواقف، بقدر ما يتطلب الحكمة والعمل على استخدام الوسائل المناسبة، لإظهار المواقف الثابتة، فهناك الكثير من الممارسات القادرة على إيصال الرسائل للأطراف الأخرى، وبالتالي فإن المرء قادر على توظيف قدراته في تحديد مواقفه تجاه مختلف القضايا، سواء المؤيدة أو الرافضة، بيد أن الاختلاف يكمن في الوسيلة المستخدمة، في إظهار تلك المواقف للأطراف الأخرى، لا سيما وأن البوح بالرفض التام يتسبب في بعض الأزمات على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، مما يستدعي استخدام الأساليب الناعمة للحفاظ على الاستقرار الشخصي والاجتماعي، فيما تتطلب بعض القضايا الكبرى الجهر بالمواقف الرافضة، نظرا للانعكاسات السلبية والخطيرة على الساحة الاجتماعية.
البوصلة الخاطئة تتسبب إثارة الكثير من المشاكل، على الصعيد الشخصي والاجتماعي، فتارة تخرج صاحبها من الجادة الصائبة بشكل كامل، نتيجة الاختيار الخاطئ، سواء على الصعيد الفكري أو الاجتماعي، وتارة أخرى يحدث توجيه البوصلة نحو الاتجاه الخاطئ تداعيات اجتماعية خطيرة، خصوصا وأن محاولة ضرب أو نسف بعض الثوابت يعطي نتائج كارثية، مما يسهم في إحداث انقسامات كبرى يصعب تطويقها، أو العمل على تحجيم من انعكاساتها على المدى القريب، وأحيانا على المدى البعيد.
الطريق الخاطئ لا تقتصر أضراره على سالكيه، وإنما تتطاير تداعياته السلبية على الكثير من الشرائح الاجتماعية، انطلاقا من ”الخير يخص والشر يعم“، وبالتالي فإن مواجهة كافة أشكال الانحرافات لا يستهدف تصحيح السلوك الفردي وإنما يهدف إلى حماية المجتمع من الأضرار الكثيرة التي تترك ندوب على الجسم الاجتماعي، بعضها مؤقتة والبعض الآخر دائمة.