آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:18 م

هل من العقلانية أن نتبنى العقل فقط وفقط مرجعية مطلقة

خليفة علي الغانم

أعزائي الأفاضل لا يخفى عليكم جميعا هذا التقدم العلمي الكبير جداً على كافة الأصعدة، ولا يزال يقدم الأدلة والبراهين المتكاثرة على حقيقة مركزية، وهي أن الواقع الذي نراه، وندركه بحواسنا وأملته علينا عقولنا اليوم ليس هو بالضرورة كل الصورة والواقع في الحقيقة بل تتغير، وتتبدل بتسارع مطرد أي بازدياد!

فالبشرية عاشت قرونا طويلة، وهي تمتلك العقل لكنها لم تكن تدرك وجود الكهرباء والجاذبية الأرضية والموجات الصوتية والضوئية، وكذلك النفط الذي يسمى الذهب الأسود، وبه تغير وجه العالم من القدم إلى الجدة والحداثة، ومثله الانترنت وجهاز الكمبيوتر المحمول والعمليات الجراحية الدقيقة والقادم أعظم، وهكذا أشياء كثيرة تحيط بنا، ولم ندركها حتى الآن، كما كان العلماء الأوائل يعتقدون أن أصغر جسيم هو الذرة بينما تم تجزئتها إلى الجسيمات المكونة للذرة وهي الإلكترون، والبروتون، والنيترون.

الخلاصة: أن الحقيقة المطلقة في في يوم 4/4/2023 لمختلف نظريات العلوم والمعارف التي أقرتها وأمنت بها العقول «غير النصية» كما يتفاخر به البعض كمنهج علمي يمارسونه، ليست حتمية أن تصمد، وتستمر هذه الحقائق في يوم 5/4/2023 لذلك فهل يمكن أن يكون العقل هو المرتكز الوحيد في بناء المفاهيم الفلسفية الإنسانية والنظريات العلمية والحقائق الصائبة الخالية من الأخطاء؟

وهذا يجرني إلى طرح بعض التساؤلات فهل يمتلك العقل حقيقة كيف بدأت الأشياء؟ وهل العقل يمتلك معلومات صائبة في علم الغيب؟ وكما قال العالم الفيزيائي العقلاني المشهور ماكس بلانك المؤسس لنظرية الكم والحاصل على جائزة نوبل 1918 بأنَّ «العلوم الطبيعية لا تستطيع حل اللغز المطلق للطبيعة» لإن الإنسان جزء من اللغز المطلق الذي يراد حله.

ومع كل هذا مازال البعض ينتقد من يضيف إلى العقل مرتكزات أخرى معينة كالنص القرآني أو الأحاديث النبوية أو التجارب الميدانية أو الحوادث التاريخية ووثائقها أو الدراسات السابقة والنتائج التي توصلت إليها وفق الإحصائيات البيانية والملاحظات المباشرة وغير المباشرة إلا أنني أجد للتو من عيرني وأقرانه لإنهم يعتبرون معظم هذه المرتكزات معيرة لا قيمة لها عامة، وعلى مفاهيم النصوص القرآنية خاصة مرتكزين فقط على استخدام عقولهم دون أن يلتفتوا إلى أن معظم هذه المرتكزات المختلفة تمثل معايير وأسس علمية يؤخذ بها في ترجيح البديل الأفضل لبناء المفاهيم أو في حل النظريات العلمية أو المشكلات السلوكية للدراسات البحثية في أروقة الجامعات الأكاديمية المعاصرة ومراكز البحوث العلمية.

فلماذا لا تعتمد هذه الجامعات على العقل فقط كما يعتمده بعض مثقفينا، ويجعلون العقل هو الفيصل الوحيد في دراسة النتائج والحكم عليها!!!؟

أليس العقل بحاجة إلى الحواس الخمس التي تتفاوت في قوتها من شخص إلى آخر، ومن يوم إلى يوم آخر، وعليه يعتمد صوابية عطاء العقل على مدى قدرة هذه الحواس الخمس المحدودة من حيث الكم والكيف مثل حاسة البصر وحاسة السمع وحاسة اللمس وحاسة الشم وحاسة التذوق، ومن هنا ينبع الاختلاف في الحكم على مفاهيم النصوص القرآنية حتى بين من يرون فيما بينهم أن العقل هو المرجعية الوحيدة في مبانيهم العلمية؟

أليس هناك سبع معادلات رياضية مرتبطة بالأعداد وبالطبيعة والأشكال الهندسية، ومن ضمنها فرضية ريمان من عام 1859م المتعلقة بالأعداد الأولية، وتحفيزا لكل من يتوصل إلى الحل الصحيح لأي من هذه المسائل المعقدة ينال جائزة عالمية قدرها مليون دولار أمريكي قد تعهد بمنحها معهد كلاي إلى المكتشفين للحلول، وكما يقول البروفيسور رامين تكلوبغاش من جامعة ألينيوز بأنَّ حلها قد يفضي إلى فهم أكبر ليس فقط في علم الرياضيات بل في علوم الحاسب والانترنت وما يرتبط بها، ومع ذلك مازالت حلولها ليست معروفة عجزت عن حلها عقول العلماء رغم أنها ليست مستحيلة الحل فهل نتخلى عن استخدام هذا العقل العاجز كما تخلى البعض عن المصادر الأخرى في الحكم على المفاهيم وحل المشكلات العالقة، وننسب مبرراتنا للصدفة والخيال والخرافة والتناقضات لأن العقل مازال متعثرا وقاصرا في حل هذه المعادلات الرياضية؟

أليس من يستخدم عقله إضافةً إلى مصادر علمية أخرى تعتبر من ضمن الوسائل المعينة والمبنية على أسس ومرتكزات علمية ولغوية ومبرراتها ليست متناقضة فيما بينها، وتلبي مطالب عصرنا الحالي أفضل بكثير ممن يتبنى العقل فقط وفقط كمرتكز وحيد في جلب المعلومة الصحيحة؟

بلا شك إن الجهل والتخلف كلاهما منبوذان، وفي نصوص قرآنية كثيرة وصريحة وأحاديث نبوية عديدة ركزت على هذه الجوانب المذمومة كما في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى? مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين» وهنا لا أعني الفاسق بمرتكب الكبائر وإنما قصدت فيما يرتبط بالموضوع عن الرأي غير الصائب وغير الخاضع للموازين العلمية العامة، وقوله تعالى «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»

ولهذا تجد البعض يلوي مفاهيم النصوص القرآنية وفق عقله فقط مستخدما مبررات متناقضة فيما بينها، ومع ذلك يصر على مبانيه البعيدة عن التفسير الموضوعي، ويصر على فرضها على الآخرين!.