الخطوة المحمودة
تخفيف الخسائر أجدى نفعا من الخسارة الفادحة، باعتبارها وسيلة لتصحيح المسار، والعودة مجددا لممارسة الدور الطبيعي، في الحياة الاجتماعية، فالأخطاء واردة على الدوام في مختلف الأعمال الحياتية، مما يتسبب في بعض الضرر على الصعيد الشخصي، بيد أن المشكلة تكمن في الإصرار على السير في الطريق المعوج، ورفض تصحيح المسار، لاسيما وأن العودة إلى الجادة الصائبة تسهم في تقليل الانعكاسات السلبية.
التراجع للخلف خطوة تكون ضرورة ملحة في بعض الأحيان، حيث تمثل اعترافا صريحا بصعوبة مواصلة السير دون هدى، مما يستدعي انتهاج سياسة ”دراسة الخطوات القادمة“، من أجل تقييم الوضع، والعمل على رسم طريق واضح، قادر إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبالتالي فإن التراجع يشكل حالة إيجابية أحيانا، وخطوة سلبية في أحيان أخرى، نظرا لاختلاف المواقف على الصعيد العملي، مما يعني أن إطلاق الأحكام على التراجع مرتبط بالحالة القائمة، ودراسة الوضع على الأرض، بهدف وضع الأمور في المسارات السليمة، بعيدا عن الانفعالية، والعاطفية، والارتجالية.
المراجعة الدقيقة للمواقف تدفع باتجاه تصحيح الأوضاع، والعمل على اختيار المكان المناسب، خصوصا وأن المواقع تختلف باختلاف الظروف الزماني، والحالة الاجتماعية السائدة، مما يفرض وضع تلك الاعتبارات في الحسبان قبل اتخاذ المواقف، بمعنى آخر، فإن امتلاك القرار المناسب مرتبط بالقدرة على تحريك الأمور، في جميع الاتجاهات، ودراسة الآثار من الناحية الإيجابية، ومعرفة الانعكاسات السلبية، نظرا لوجود عناصر متعددة قادرة على إحداث تغييرات جوهرية، في المواقف على الدوام.
تغليب المصالح الاجتماعية على الأغراض الشخصية، يلعب دورا فاعلا في إعادة التموضع، ومحاولة الانتقال من الحالة السلبية إلى الجانب الإيجابي، خصوصا وأن الغايات الخاصة تدفع نحو الأنانية والاستحواذ بعيدا عن المصالح الاجتماعية، مما ينعكس بصورة مباشرة على نوعية المواقف، وكذلك الإصرار على التمسك بتلك الآراء، وبالتالي فإن القرارات العقلانية مرتبطة في كثير من الأحيان من الحالة الاجتماعية السائدة، بحيث تضع في الاعتبار التصالح مع البيئة الاجتماعية، ومحاولة الوقوف خلف المصالح المشتركة، والابتعاد قدر الإمكان عن الأغراض الخاصة، مما يقود في نهاية المطاف إلى حالة من الانسجام الداخلي، والتصالح مع الوسط الاجتماعي.
العمل على وضع الأمور في المسارات السليمة، يتطلب الكثير من الجهد، والمزيد من العمل على الصعيد الذاتي، وكذلك على الإطار الاجتماعي، خصوصا وأن هناك تعارض مصالح بين ”الأنا“ و”الجمع“، فهناك حروب نفسية مستمرة تظهر على أشكال متعددة، بعضها في إبرام تحالفات خارجية للانتصار للذات ”الأنا“، والبعض الآخر يتمثل في ضبط ”تمرد“ الذات بواسطة السير وراء ”الجماعة“، وبالتالي فإن تحرك الأمور في الاتجاهات الصحيحة يستدعي العديد من الخطوات، حيث تتمثل في التنازل عن الأطماع الذاتية، والدخول في تحالف نفسي مع الجماعة، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة في التراجع عن بعض الخطوات الخاطئة، والحرص على إظهار الوجه الإنساني، والأخلاقي، وقمع الوجه الشيطاني، الذي تحركه ”الذات“ على الدوام.
إظهار الوجه الجميل يترجم بالخطوات العملية على الأرض، خصوصا وأن هناك ممارسات تدخل صاحبها في خانة ”العدو“ ضد البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يولد مواقف معارضة، وأحيانا عدائية تلك الممارسات، وبالتالي فإن محاولة إظهار حسن النية، والعودة عن تلك القرارات الصادمة، يشكل الخطوة الأساسية للدخول في المصالحة مع الوسط الاجتماعي، الأمر الذي يساعد في التغاضي مع بعض الممارسات السابقة، والعمل فتح صفحة جديدة شعارها، ”عفا الله عما سلف“ و”نحن أبناء اليوم“.
الإنسان يمتلك القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية، التي تعيد الأمور بالاتجاهات الصحيحة، بحيث تشكل تلك القرارات انعطافة مفصلة في الحياة الاجتماعية، الأمر الذي يولد حالة من الرضا الاجتماعي، ويهيئ المناخ القادر على إعادة رسم العلاقات الاجتماعية بطريقة مختلفة، انطلاقا من الخطوات التصحيحية المتخذة في الكثير من الممارسات الخارجية.