الصحوة المتأخرة
إدراك الحقائق المتأخرة تجلب العديد من الإشكالات، بحيث يصعب تصحيح بعض القرارات المتخذة، فانعدام الرؤية تدفع نحو الطرق الخاطئة، الأمر الذي يخلق حالة من الصدامات المباشرة مع بعض الأطراف المنافسة، حيث تظهر في تزايد الأعداء جراء القرارات الانفعالية، المرتبطة بغياب القدرة على قراءة المشهد بالشكل الصحيح.
رفض النصائح، والتعنت غير المبرر، ومحاولة تسويق القرارات الارتجالية، عناصر داعمة للانغماس في مستنقع انعدام الرؤية السليمة، حيث تتخذ هذه الشريحة من القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، وسيلة لإغلاق جميع أبواب النصيحة، وسد منافذ الحوار العقلاني، فتارة ينطلق الرفض الشامل لمختلف أنواع الحوار والنصائح، من العقلية الساذجة التي تحرك هذه الفئة في التعاطي مع الأمور، مما ينعكس بصورة مباشرة على نوعية القرارات، والتي تتسم بالغباء، وعدم القدرة على الإقناع، وتارة أخرى يرتبط الرفض التام للحوار بالمخاوف الذاتية من انكشاف الضعف الداخلي، مما يدفع لانتهاج سبيل ”العناد“ لإخفاء تلك المخاوف، فالتحركات التعسفية ناجمة عن أمراض داخلية، وليست مرتبطة بمعطيات حقيقية على الأرض، الأمر الذي يفسر فشل الكثير من القرارات في الصمود، وتحقيق الغايات المرجوة، انطلاقا من انعدام القدرة على توفير الأدوات اللازمة، لترجمة تلك القرارات على الواقع الخارجي.
الغرور الذاتي يلعب دورا كبيرا في مواصلة مشوار العناد، فعدم الاعتراف بالأخطاء يدفع لاستمرار في الطريق الملغوم، من خلال استخدام الكثير من الصلاحيات، في سبيل الانتصار إلى القرارات الارتجالية، والعمل على حشد الآراء الداعمة، بيد أن انكشاف الحقائق والفشل في الحصول على التأييد المطلوب، يشكل ضربة موجعة لهذه الفئة، نظرا لعدم وجود الغطاء اللازم لمواصلة مشوار الطريق الخاطئ، وبالتالي فإن السبيل الوحيد للسير في الطريق المظلم، يتمثل في إظهار الغرور في مختلف المجالات، خصوصا وأن مبدأ الاعتراف بالخطأ غير وارد على الإطلاق، مما يستدعي انتهاج سياسة ”العناد“ للخروج من المأزق الداخلي.
رسم الأحلام الكبيرة، ومحاولة صعود بطريقة سريعة، فضلا عن القراءة الخاطئة للواقع الاجتماعي، تشكل عوامل أساسية في اتخاذ القرارات الخاطئة، خصوصا وأن أحلام ”اليقظة“ تدفع نحو باتجاهات مجهولة، نظرا لوجود غايات، وأطماع غير واقعية، مما ينعكس على نوعية القرارات المتخذة، بحيث تبدو منذ الوهلة الأولى صحيحة، ولكنها مع التجربة تظهر فشلها في اختراق الكثير من الحقائق على الأرض، بالإضافة لذلك فإن التحرك باتجاه الصعود غير المتدرج، يحمل في طياته الكثير من المخاطر على الإطار الذاتي أولا، والاجتماعي ثانيا، خصوصا وأن التجارب الحياتية تكسب الكثير من الخبرات العملية، مما يحول دون ارتكاب الأخطاء الجسيمة، وبالتالي فإن انعدام القدرة على التمييز بين الطموحات المشروعة والصعود على أكتاف الآخرين، يخلق الكثير من المشاكل، ويتسبب في ارتكاب العديد من الممارسات غير المقبولة، خصوصا وأن البيئة الاجتماعية ترفض السير وراء المشاريع المجهولة، بمعنى آخر، فإن القراءة الخاطئة تنعكس بشكل مباشر على نوعية القرارات المتخذة، بحيث تكشف أصحاب القرارات المتوازنة والعقلانية، وأصحاب القرارات الانفعالية والارتجالية، الأمر الذي يسهم في صعود البعض وسقوط البعض الآخر.
انكشاف الأخطاء الكارثية للقرارات، تارة تكون بداية العودة إلى الجادة الصائبة، من خلال تصحيح تلك القرارات، ومحاولة ”التكفير“ عنها بطرق مختلفة، الأمر الذي يسهم في إنقاذ الذات من براثن الأخطاء الكبرى، انطلاقا ”من الاعتراف بالحق فضيلة“، في المقابل يكون انكشاف فشل القرارات مبررا لمواصلة الطريق المجهول، من خلال الإصرار على السير حتى النهاية، وكذلك إصدار المزيد من الممارسات المساندة لتلك القرارات الخاطئة، انطلاقا من مبدأ ”التعنت“، وعدم التنازل، ورفض الإقرار بالفشل في مواجهة الواقع الخارجي.