آن الأوان لأخذ مسألة الضحك على محمل الجد
على الرغم من أن الناس في جميع أنحاء العالم يحبون الضحك ويستمتعون به، إلا ّ أنه لا يُعرف إلَّا القليل عن هذا السلوك الغريزي.
15 يونيو 2023
بقلم علي جونز
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم 169 لسنة 2023
Time to take laughter seriously
15 June 2023
Ali Jones
حتى قبل أن يتمكن الطفل من الكلام أو المشي، يستطيع الضحك. عند بلوغ الرضيع أربعة أشهر تقريبًا ضحكاته الأولى تأسر قلوب وتنعش أرواح حتى أكثر الأمهات إرهاقًا، ومنذ ذلك السن يصبح الضحك أداةً للتواصل مع العالم طوال العمر.
الضحك عبارة عن صمغ اجتماعي يربط الناس ببعضهم بعض، مما يساعد على التعامل مع جميع أنواع الممارسات والأحداث والمواجهات واللقاءات البينية. ومع ذلك، لا توجد إلَّا القليل من الدراسات العلمية على آلية عمل الضحك.
المشاعر الإيجابية
”الضحك أساسي جدًا لممارساتنا كبشر في التنسيق مع الآخرين والتفاعل معهم، لكننا لا نعرف إلَّا القليل عنه،“ حسبما قالت ستيفاني هول Stefanie Höhl، برفسور علم النفس التنموي في جامعة ڤيينا في النمسا.
برفسور هول تجري دراسة ضمن مشروع ”الضحك معًا“ [1] Laughing Together، وهي واحدة من دراستين ممولتين من الاتحاد الأوروبي لإبراز أهمية موضوع السعادة.
في أبحاث علم النفس وعلم الأعصاب، الحاجة الطبية الملحة لدراسة المشاعر السلبية، التي تؤثر في الصحة النفسية مثل القلق والخوف، طغت على الحاجة لدراسة الضحك.
هناك حاجة سريرية [للدراسات ما قبل السريرية والدراسات السريرية] لفهم المزيد عن هذه المشاعر لنكون قادرين على علاج المرضى علاجًا ناجعًا.
قالت الدكتورة كارولينا بليتي Carolina Pletti، الباحثة في جامعة فيينا: ”المشاعر الإيجابية، مثل الضحك، لم تُخضع للبحث والدراسة لأن تأثيرها المجتمعي والسريري ليس تأثيرًا مباشرًا“. ”ومع ذلك، إذا أردنا زيادة رفاه / عافية الناس [2] ، ينبغي لنا زيادة الإيجابية لديهم وكذلك الحد من السلبية.“
يُعد فهم قدرة الضحك على كسر الجليد وتمهيد الطريق للترابط الاجتماعي أمرًا سهلًا نسبيًا على الفهم. إفراز هرمون الإندورفين في الجسم يعطي إحساسًا دافئًا بالراحة. فمن لا يشعر بالتحسن في مزاجه بعد أمسية ضحك قضاها مع أصدقائه؟
ترغب كل من بليتي وهول في معرفة المزيد عن هذه الانفعالات التي تحدث داخل الدماغ ضمن مشروع مدته سنتان والذي سيستمر حتى مارس 2024.
الضحك بين اثنين
تعمل الخبيرتان على إقران متطوعين اثنين معًا لمراقبة نشاط دماغيهما عندما يضحكان تزامنيًا على أمر ما، مستخدمتين بعض مقاطع ال يو تيوب YouTube لأكثر تصرفات الحيوانات السخيفة تسليةً لتوفير نوع من الترفيه.
مقطع فيديو لتصرفات حيوانات مسلية:
نشاط الدماغ يُعتبر نشاطًا إيقاعيًا. من المعروف أن الحديث والموسيقى يساعدان في مزامنة إيقاعات الأدمغة بين الناس.
عندما يتناغم دماغان على نفس الموجة، فإنهما يعالجان المعلومات بسرعة أكبر. والنتيجة هي أن التواصل بينهما يصبح أكثر سلاسة وتصبح عمليتا التفاعل والتعاون أكثر سهولة.
هذه هي المرة الأولى التي يدرس فيها الباحثون ديناميكيات دماغين يتفاعلان في الوقت الفعلي ومدى وقْع الضحك على كل من الكبار والصغار.
قالت هول: ”نعتقد أن الضحك قد يساعد بالفعل في جعل أدمغة الناس تتناغم على نفس الموجة“. ”فهذه تعتبر بالفعل إشارة اجتماعية [الاشارات الاجتماعية social signal هي مثل الإعجاب واعادة النشر على تويتر والفيس بوك»، ومن منظور الدراسات البحثية، فهي عبارة عن القطعة المفقودة من قطع أحجية.“
تقنية تصوير الدماغ، التي توضع على الرأس كما توضع قبعة السباحة تلتقط نشاط الدماغ والمشاركون يشاهدون مقاطع فيديو مضحكة ويضحكون على لعبة كلمات سخيفة ويتفاعلون بلا حدود / قيود. هذه تعتبر المرحلة الأخيرة التي تبين ما إذا يمكن للضحك أن يبعث على تزامن أدمغة الضاحكين.
اختبر المفاجأة
النتائج الأولى لتجارب الأشخاص الكبار تنطوي على مفاجأة.
نعم، الضحك معًا يعزز تزامن النشاط العصبي بين الأدمغة، لكن المشكلة غير المتوقعة هي أن هذا التزامن لم يستمر لفترة طويلة. وجد الباحثون نافذة زمنية مدتها خمس دقائق تتزامن خلالها أدمغة الناس مع بعضها بعض قبل أن ينحسر تأثير الضحك.
سيعمل الباحثون على استكشاف تأثير نوع الشخصية ويأملون في توسيع الدراسة لتشمل اختبار ما يحدث لو كان الناس يعرفون بعضهم بعضًا بالفعل. قد تطرح الأبحاث في المستقبل أيضًا سؤالًا عما يمكن فعله لتوسيع هذا المستوى الأمثل من التزامن.
في غضون ذلك، وجهت الباحثتان اهتمامهما إلى دراسة الأطفال، وذلك بجعلهم يضحكون بعرض مقاطع فيديو أو رسوم متحركة مضحكة لـ حيوانات عليهم، ثم قامتا بتقييم ما يحدث لنشاط أدمغتهم عندما يتعاونون في إحدى الألعاب.
هذه الدراسة المنفصلة هي واحدة من الدراسات القليلة جدًا التي تبحث في كيف يتفاعل الأطفال في سن ما قبل المدرسة مع بعضهم بعض وعندما يتعاونون وحين تتزامن أدمغتهم.
لو وجد الباحثون أن الضحك معًا «الضحك الجماعي بين الأطفال» يشجع على السلوك الإيجابي ويساعد الأطفال على التعايش والتآلف، فقد يصبح الضحك يومًا ما أسلوبًا تعليميًا في المدارس - ويمكن تطبيقه على بيئات عمل الكبار أيضًا.
طيف المشاعر
ركز مشروع المشاعر الإيجابية [3] ، أو PEP، اختصارًا، على 17 من هذه المشاعر - بما فيها الامتنان «الشكر والتقدير» والرهبة awe [شعور يجمع بين الرهبة والخشية والتبجيل والتقدير للمقام أو للقداسة أو للجمال أو لغيرها مما يبعث على تلك الرهبة في النفس] والتسلية والتراحم والراحة - التي تفتقر إلى دراسات مفصلة ومنسقة.
تنتهي المبادرة التي مدتها ست سنوات في أغسطس القادم 2023 بقيادة الدكتورة ديسا سوتر Disa Sauter، أخصائية علم النفس الاجتماعي في جامعة أمستردام في هولندا.
ضم المشروع أكثر من 60 باحثًا متعاونًا من جميع أنحاء العالم. لقد قام بتحليل أفكار ومشاعر أكثر من 30 ألف شخص على مستوى العالم لمقارنة أنواع مختلفة من التجارب / المشاعر الإيجابية.
قالت سوتر: ”الهدف الشامل للمشروع هو دراسة المشاعر الإيجابية بمزيد من التفصيل“. ”لقد أُطلق على المشروع مؤخرًا مشروع“ السعادة "، لكننا أخذنا منظورًا أوسع لنرى ما إذا كانت تأثيرات أنواع المشاعر الايجابية مختلفة.
شريط الذكريات
بالإضافة إلى دراسة تعابير الوجوه والأعراف الاجتماعية التي تحيط بكيفية وزمن إظهار الناس مشاعرهم الإيجابية، جعل المشروع التصريح بالذكريات عنصرًا رئيسًا من عناصر التجربة. دعا الباحثون المشاركين للحديث عن الذكريات السعيدة وتتبعوا تغيرات تعبيرات وجوههم وضحكاتهم.
على المدى الطويل، يمكن للفهم التفصيلي لكيف يبدو الناس من ناحية المظهر والصوت عندما يشعرون بمشاعر مختلفة أن يساعد في العمل مع من لا يستطيع التواصل بالكلمات، بما فيهم الرضع والأطفال الصغار.
يمكن أن تكون هذه النتائج مفيدة أيضًا للذين يعانون أحيانًا من توصيل مشاعرهم إلى غيرهم، بما فيهم المصابون بطيف التوحد وكذلك المصابون بالخرف.
هذه المشروع عبارة عن مشروع لمعرفة تفاصيل منطقة مجهولة من المشاعر الإنسانية في ثقافات مختلفة. قد تصبح النتائج في المستقبل مورداً قيماً لتطوير تكنولوجيات داعمة للتواصل بين الناس مشاعريًا.
لا يمكن أن يكون الضحك مملًا
وفي الوقت نفسه، لا يساور سوتر وبليتي شك في الصفات المعدية [التي تنتشر بين الناس بسرعة] والفوائد المتأصلة للضحك. قالت سوتر: ”لا يحتاج الناس إلى الكثير من التشجيع حتى يضحكوا“.
عادت بليتي إلى النقطة الرئيسة بالإشارة إلى مفاجأة أخرى في مشروعها: سيناريوهات الدراسة المصممة للحد من احتمالية بعث المشاركين على الضحك قد فشلت في تحقيق ذلك الهدف [لم يستطع الباحثون بأي وسيلة ثني المشاركين عن الضحك]. وقالت: ”حتى عندما كُلف الناس بمهمة مملة جدًا - ك العمل على كتابة دليل إرشادي - حاول المكلفون ذكر أشياء مضحكة لجعل الوضع أقل توترًا، مما أثار ضحكاتهم على أي حال“. ”يكاد أن يكون من المستحيل التخلص من الضحك بشكل تام.“