آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:06 م

قطيفيٌ في الدّيوان الملكي... أم سعوديّون في الدّيوان الملكي؟

حسن المصطفى * جريدة النهار العربي

نشرت صحيفة ”صبرة“ الإلكترونية، سلسلة مقالات للكاتب السعودي حبيب محمود، حملت عنواناً رئيساً ”المواطنون الشيعة والتحول الوطني“، سعى من خلالها إلى مقاربة موضوعات: المواطنة، الاندماج، والمشاركة في التنمية والتحديث.

المقالة الثانية، في 13 حزيران «يونيو» الجاري، عنوانها ”قطيفي في الديوان الملكي“، أراد من خلالها محمود التأكيد أن أبواب ”الديوان“ ليست موصدة أمام أحدٍ من المواطنين، وأن من لديه الكفاءة وتنطبق عليه الشروط، سيتم قبوله والاستفادة من خبراته في مختلف مؤسسات الدولة.

محمود في مقالاته، أراد أن يعالج مشكلة قديمة، تتعلق ب ”الانغلاق المذهبي“، و”الطائفية“ التي تمارس خطابها في الاتجاهين، التحريض والتحريض المضاد، وهو بذلك يقوم بدور وطني مهم، في سبيل مواجهة الأوهام والصور النمطية المترسخة لدى شريحة من الجمهور العام.

إلا أن إشكالية مقالات حبيب محمود، أنها تعالج الموضوعات بطريقة - بحسب وجهة نظري - تجاوزها الزمن، لأن ما بعد ”رؤية المملكة 2030“ ليس كما قبلها، على مختلف الصعد، لأن البيئة العامة في السعودية أضحت اليوم أكثر انفتاحاً ووعياً وتماسكاً وطنياً، وأقل تشنجاً وانغلاقاً وتمذهباً!

لا أحد يدّعي أن ”الرؤية“ استطاعت في سنوات قليلة أن تعالج المشكلات المتراكمة منذ عقود معالجة جذرية، لأن هذه المعضلات متشابكة، وتحتاج لمقاربات من زوايا مختلفة، ووفق خطط بعيدة المدى، تحقق النتائج المرجوة، في ترسيخ قيم المواطنة الشاملة والمساواة والعدالة وسيادة القانون، أي تلك القيم الحديثة التي تقوم عليها الدولة المدنية، وهو ما تعمل عليه المملكة في الوقت الحالي.

من هنا، لا يروق لي كثيراً التوصيف ”قطيفي في الديوان الملكي“، وأجدني مختلفاً معه، لأن المواطن القادم من محافظة القطيف، هو سعودي أولاً وقبل كل شيء، واختير لا بسبب مدينة أو عائلته أو انتمائه المذهبي، بل للكفاءة أولاً وقبل كل شيء.

السعودية اليوم تعمل على مزيد من رفع جودة الأداء في المؤسسات الحكومية والخاصة، وترسيخ العمل المهني القائم على الشفافية والجودة، والبعد من المحاباة، والخروج من قفص التصنيفات المناطقية والعرقية، لأن هذه الأخيرة ما هي إلا محددات تعيق الاندماج الوطني، وتجعل الفرد يقدمُ هويته الضيقة، ويؤخر الهوية الوطنية العُليا.

لو كانت عناوين الأستاذ حبيب محمود، قُبيل سنوات من الآن، لأمكن قبولها وتفهمها، لأنها تأتي ضمن سياق عام - حينها - ولن تكون غريبة. وشخصياً، كتبتُ مقالات عدة في هذا السياق. إلا أنني طالما كنت في الكتابات الأخيرة، أركزُ على تقديم صفة ”السعودي“ على أي وصف آخر، لأن المراد أن يترسخ لدى المواطنين شعورهم بالانتماء، وبناء ثقافة حقيقة ومؤثرة، حول الهوية الوطنية السعودية الجديدة.

مقالات محمود أعادتني بالذاكرة إلى حلقة برنامج ”الليوان“ على شاشة ”روتانا خليجية“، حينما سأل الإعلامي عبد الله المديفر، في 17 نيسان «أبريل» الماضي، د. عبد الله آل ربح: من يقف ضد هذا الانصهار وهذا الاندماج المجتمعي؟ قاصداً بالسؤال المواطنين السعوديين ”الشيعة“!

شخصياً، لا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يقف ضد ”الانصهار الوطني“، حتى لو كانت هناك بعض الأصوات المتشددة أو الممانعة، لأن حركة التاريخ أكبر من أن يواجهها نزر من المنغلقين أو المتوجسين، كما أن ”رؤية المملكة 2030“ دفعت نحو الزج بجميع السعوديين في معترك المشاركة في عملية الإصلاح والتنمية، لأن ”الرؤية“ مشروع وطني عام، وليست مقتصرة على فئة أو منطقة.

رغم أن ترسيخ عملية ”الاندماج الوطني“ عملية تراكمية، ومفهومية، تحتاج لأن يشتغل عليها ثقافياً بهدوء وضمن تدرج زمني، إلا أن التغيرات الاقتصادية والإدارية والقانوينة والمجتمعية الواسعة والسريعة التي تجري كل يوم في مختلف المناطق السعودية، عجلت من هذا ”الاندماج“ وجعلت ”المواطنة“ مدماك العلاقة بين الجميع؛ وعليه، علينا الخروج من التصورات والأدبيات القديمة، حتى وإن كانت حسنة النيات، نبيلة المقصد، تروم الخير والصلاح، إلا أن الخطاب الثقافي والمفاهيمي والإعلامي يجب أن يتطور ليواكب ”الرؤية“ ويعمل على اجتراح فضاء فلسفي لها، بوصفها رافعة تنوير، ستعمل على إحداث قطيعة معرفية وسلوكية مع إرث الانغلاق والتشدد والريبة!