آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

صناعة المحتوى

محمد أحمد التاروتي *

فرضت وسائل التواصل الاجتماعي واقعا جديدا، في التفكير بمختلف المجالات الحياتية، حيث ساهمت في إعادة رسم العديد من القناعات السابقة، مما أدى إلى كسرها في الواقع الاجتماعي، سواء نتيجة اكتشاف عدم قدرتها على مقاومة الواقع الخارجي، أو بسبب الضغوط الكثيرة التي ساهمت في إخراجها من الساحة بشكل نهائي، الأمر الذي تمثل في وضع العديد من القناعات الراسخة، في القوائم الهامشية، ووضع بعض القناعات الجديدة في سلم الأولويات.

الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، في إسقاط بعض القناعات الراسخة، أحدث حالة من الصراع بين التمسك بالقديم، والتأقلم مع الجديد، مما ساهم في ظهور انقسامات واضحة في بنية التفكير الاجتماعي، ففي الوقت الذي يطالب البعض بضرورة ضبط وتقنين، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والحد من انخراطها في الخصوصيات الاجتماعية، والعمل على قصرها على معالجة الظواهر السلبية، نظرا لقدرتها على ممارسة الضغط على التفكير العام، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، بينما يعتبر البعض الآخر المخاوف الكبيرة من وسائل التواصل الاجتماعي، بمثابة انهزام، وعدم القدرة على المواجهة، خصوصا وان تلك وسائل التواصل الاجتماعي، تمكنت من ”تعرية“ العديد من القناعات الاجتماعية السابقة، نظرا لافتقارها للأرضية الصلبة القادرة، على الصمود في وجه التفكير العقلاني، القائم على التعاطي المتزن مع مختلف الأمور، وبالتالي فإن وسائل التواصل الاجتماعي لا تتحمل مسؤولية التخلخل الحاصل في بعض القناعات الراسخة، بقدر ما يتحمل المدافعون عن تلك القناعات المسؤولية، بسبب وجود أمراض داخلية، ساهمت في فقدان القناعات قدرتها على المقاومة.

محاولة صياغة القناعات الاجتماعية، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، سلاح ذو حدين، وعملية محفوفة بالمخاطر، على الصعيد الاجتماعي، فتارة تكون أهدافها نبيلة وصادقة، ولكنها تتحول إلى أداة قاتلة، نظرا لإساءة الاستخدام، وغياب القدرة على التحكم في استخدام، وتارة أخرى تستهدف إسقاط بعض القيم الاجتماعية الراسخة، مما يؤشر لوجود نوايا غير حسنة، في التعاطي مع وسائل الاجتماعي، الأمر الذي يعطي إشارات سلبية تجاه الممارسات غير الواعية، لضرب بعض القيم الاجتماعية، بمعنى آخر، فإن القراءة الواعية للآليات المناسبة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعية، تشكل عنصرا أساسيا في وضع الأمور في النصاب السليم، بحيث تؤتي ثمارها المرجوة وتتجاوز المطبات الخطيرة، التي تقود إلى خسائر اجتماعية فادحة.

الوقوف خلف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كامل، يحمل في طياته الكثير من المخاطر على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وأن هناك بعض الممارسات غير المتزنة، التي ساهمت في ”هدم“ بعض القيم على الصعيد الاجتماعي، جراء الاستخدام الخاطئ في طريقة التعاطي مع القناعات الاجتماعية، فهناك استخدامات لا تجلب على أصحابها سوى المصائب، وتصيب البيئة الاجتماعية بالأضرار الكبيرة، الأمر الذي يستدعي التحرك الواعي، بهدف ترتيب الوضع بما يحقق الفائدة المرجوة، من وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن تلك الوسائل باتت جزءا من الحياة اليومية، لمختلف الشرائح الاجتماعية، مما يزيد من أهميتها وخطورتها في الوقت نفسه.

التجديد عملية طبيعية في مختلف المجالات، فالتطور ومواكبة المستجدات ليس مقتصرا على جوانب دون أخرى، حيث تفرض إيقاعات العصر واقعا ضاغطا على الكثير من القناعات الاجتماعية، مما يؤسس للتدرج المستمر في طريقة التفكير تجاه بعض المفاهيم السائدة، بيد أن المشكلة تكمن في محاولة البعض إحداث تغييرات قسرية على الواقع الاجتماعي، من خلال استخدام بعض الطرق الضاغطة، الأمر الذي يخلق بعض الإشكالات على الصعيد الفكري، بحيث تبرز على مواجهة مباشرة بين القناعات الراسخة، والدعوات التجديدية، نظرا لوجود مخاوف من أهداف تلك الدعوات التجديدية، فتارة تكون تلك المخاوف حقيقية وصادقة، جراء الانعكاسات المترتبة على تكريس تلك الدعوات، في البيئة الاجتماعية وتارة تكون وهمية وغير صادقة، حيث تنطلق من الدفاع عن المصالح الخاصة، وليست نابعة من الخشية على البيئة الاجتماعية.

محتوى وسائل التواصل الاجتماعي البناء، يجد تأييدا واسعا من المجتمع، ولكنه يواجه بمعارضة شديدة، بمجرد دخوله في خانة الهدم والتدمير، لبعض المفاهيم الاجتماعية السائدة.

كاتب صحفي