السعودية وإيران.. علاقات تبنى دون استعجال
لن يكون بناء العلاقات السعودية - الإيرانية بالأمر اليسير، فهنالك اختلافات في وجهات النظر، وتباين في الأولويات، وتنافس، وأيضاً كل طرف يريد تحقيق ما يرى أنه يرسخ أمنه الوطني ويحفظ له سلامة حدوده ويدفع نحو مزيد من القوة الاقتصادية؛ إلا أن المهم أن تكون هنالك جدية، وتبنى الثقة خطوة بخطوة، دون استعجال، ودون تباطؤ..
ليس حدثاً عابراً، إعادة افتتاح السفارة الإيرانية في العاصمة السعودية الرياض، 6 يونيو الجاري، بعد نحو 7 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
هذه الخطوة، لم تكن لتتم لولا سياق متواصل من العمل السياسي والأمني الشاق، بعيداً عن الإعلام، بغية إنضاج صيغة مشتركة تمثل أساساً تُستأنف عبره العلاقات بين الرياض وطهران، وتشكل إطاراً لحل المسائل الخلافية، خصوصاً أن التباينات لم تكن حول قضايا عادية، بل ملفات تتعلق بالأمن القومي، وسلامة الممرات المائية، والمصالح النفطية، فضلاً عن نقاط الاشتباك خارج الحدود في الإقليم!
على مدى أكثر من عامين، كانت هنالك لقاءات أمنية في العراق وسلطنة عمان، قُبيلَ اجتماع الوزير مساعد العيبان والأدميرال علي شمخاني، برعاية صينية، مارس الماضي؛ أي أن هنالك نقاشات عدة، بالتأكيد لم يجزَ فيها الحديث المنمق أو تبادل المجاملات، وإنما وضعت النقاط الأكثر أهمية على طاولة الحوار من أجل بحثها وإيجاد حلول عملانية للمشكلات الملحة.
زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، للعاصمة الإيرانية طهران، 17 يونيو الجاري، جاءت ضمن هذا السياق، لتكون تتويجاً للقاءات السابقة بين المسؤولين في البلدين، ولتعطي إشارة واضحة أن المملكة جادة في علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية، وأن المراد أن تكون هذه العلاقات مبنية على أسس متينة، وفق الأعراف الدولية المعمول بها.
هنالك مفتاح رئيس للعلاقات بين السعودية وإيران، كرر الحديث عنه الوزير فيصل بن فرحان، أكثر من مرة، وهو أن ”العلاقات بين الجانبين تقوم على ضرورة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية“.
لقد كانت القضية الرئيسة في السنوات السالفة، سلوك ”الحرس الثوري“ الإيراني، وتمدده الخارجي، والأذرع المسلحة المرتبطة به، أو الخلايا التي يتم زرعها في بعض دول الجوار؛ وهذا السلوك المتناقض مع الأعراف الدبلوماسية الدولية، أدى لفقدان الثقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجيرانها، ولذا من المهم أن يلتزم ”الحرس الثوري“ باحترام سيادة الدول، وأن يكون ضمن الخط السياسي الذي أعلن رغبته الواضحة بعلاقات حسنة مع دول الخليج العربي عامة والسعودية خاصة.
القرار الإيراني الآن بالتصالح مع الجوار العربي، هو قرار ”نظام“، بمعنى أنه ليس إرادة فردية أو رغبة تيار محدد وحسب، بل إن السياسة التي أقرها المرشد الأعلى علي خامنئي، بنيت وفق ما قدم له من معطيات جاءت من ”مجلس تشخيص مصلحة النظام“ و”المجلس الأعلى للأمن القومي“ وأيضاً مكتب رئيس الجمهورية، ما يشير بوضوح إلى أن هنالك نخبة سياسة فاعلة من ذات الوسط الحاكم، أدركت أن مصالح بلادها العليا تقتضي تغيير السياسات السابقة، وانتهاج دبلوماسية منفتحة على السعودية.
لن يكون بناء العلاقات السعودية - الإيرانية بالأمر اليسير، فهنالك اختلافات في وجهات النظر، وتباين في الأولويات، وتنافس، ومصالح متباينة، وأيضاً كل طرف يريد تحقيق ما يرى أنه يرسخ أمنه الوطني ويحفظ له سلامة حدوده ويدفع نحو مزيد من القوة الاقتصادية؛ إلا أن المهم أن تكون هنالك جدية، وتبنى الثقة خطوة بخطوة، دون استعجال، ودون تباطؤ. فالمراد ليس مجرد العلاقات الصورية، وإنما ديمومة هذا الحوار، وتحوله مستقبلاً لمستوى أرفع، من خلال الشراكات الاقتصادية والثقافية والرياضية والأمنية، وجميع هذه المجالات يمكن أن يتم العمل عليها بالتوازي، ووفق رؤية مشتركة، تحقق مصالح البلدين.
المُلِحُ في هذه المرحلة، أن تكون الأجواء الأمنية والإعلامية صحية، وأن يتم الدفع باتجاه أكثر من خيارٍ دبلوماسي، سواء عبر ”الدبلوماسية التقليدية“ أو ”الدبلوماسية العامة“، وكذلك ”المسار الثاني“ الذي يمكن أن يُنتج أفكاراً ممكنة التحقق تدفع بتطوير العلاقات خارج التصورات الكلاسيكية!