التنمية الاجتماعية
ديمومة العطاء في البيئة الاجتماعية، عنصر أساسي لضمان النمو في مختلف الأصعدة، فالتراخي في رفد المجتمع بعوامل الاستمرارية، ينعكس في جميع المجالات الحياتية، نظرا لوجود علاقة عضوية بين ”حياة“ المجتمع، وتدفق عوامل القوة، في مختلف الأصعدة الحياتية، خصوصا وأن انحسار القوة الذاتية للبيئة الاجتماعية، يخلق الكثير من الانعكاسات السلبية، بحيث لا تبرز بشكل جلي في البداية، ولكنها سرعان ما تتراكم، لتصبح مرضا عضالا يصعب التخلص منه.
حقبة الازدهار الاجتماعي، تشعر بحالة من الزهو الذاتي، مما يولد حالة من الرضا نتيجة الإنجازات المحققة على الأرض، بحيث تقود إلى التكاسل والتراخي، في مواصلة مشوار العطاء، الأمر الذي يعود على البيئة الاجتماعية بالضرر الكبير، خصوصا وأن عملية التقدم والازدهار ليست مرتبطة بحقبة زمنية محددة، وإنما تتطلب الجد والاجتهاد على الدوام، وبالتالي فإن محاولة رسم صورة مشرقة للبيئة الاجتماعية، استنادا على ”أثر“ الأجيال السابقة، يكشف ضحالة التفكير وقصر النظر في التعاطي مع السنن الحياتية، لا سيما وأن الازدهار الاجتماعي ناجم عن أعمال إجبار، أنجزتها سواعد وضعت إمكانياتها، وسخرت عقولها، في سبيل الارتقاء بالمجتمع.
توافر البيئة الحاضنة عنصر أساسي، في استمرارية العطاء الاجتماعي، فالمجتمع الذي يفتقر آليات عوامل الجذب، غير قادر على النهوض، ومواصلة التقدم، سواء على الصعيد الفردي أو الجمعي، نظرا لوجود الكثير من العراقيل التي تحد من القدرة، على العطاء في مختلف المجالات، فالبيئة الاجتماعية لا تقوم على العمل الفردي فقط، ولكنها كذلك لا تستند على الثقافة الجمعية أيضا، وبالتالي فإن التحركات الفردية تترك بصمة واضحة على البيئة العامة، بيد أنها تبقى محدودة الأثر، دون وجود أرضية خصبة تصهر كافة التحركات الفردية، عبر توظيفها في الإطار الجماعي، الأمر الذي يظهر التحركات الفردية بالشكل الجمعي، وبالتالي إحداث انعكاسات إيجابية على الثقافة الاجتماعية، نظرا لوجود رؤية قادرة على تحويل الأفكار الفردية، إلى عمل جماعية مشترك.
الثقافة المسؤولة عنصر محفز على الإطار الفردي، وكذلك عامل محرك على الصعيد الاجتماعي، فهذه الثقافة قادرة على تحويل النظرة السلبية، تجاه الأمور إلى عامل إيجابي، الأمر الذي يولد روحا عنيدة في مقاومة، مختلف أنواع الضغوط النفسية والمادية، لاسيما وأن عملية العطاء الاجتماعي بحاجة على كافة الجهود، وليست مرتبطة بكوادر محددة، نظرا للاختلاف الكبير في الإمكانات، وتباين الاهتمامات بين الأفراد، مما يولد حالة من التكامل الاجتماعي، بحيث يبرز على أشكال ذات علاقة بإظهار الوجه الحقيقي، للإمكانيات الحقيقية للبيئة الاجتماعية، الأمر الذي يؤسس لمرحلة النمو المتوازن في مختلف المجالات، مما يعود على المجتمع بالفائدة الكبرى.
الديمومة الاجتماعية مسؤولية ملقاة على الجميع، باعتبارها من المسؤوليات الوطنية، التي تستوجب التحرك الدائم، فالتغافل عن التعاطي بوعي كامل عن الأهمية البالغة لهذه المسألة، يترك أثرا بالغا في الثقافة الاجتماعية، خصوصا وأن الأجيال اللاحقة تحاول الاقتداء بنظيرتها السابقة، فإذا كان الطابع السائد التراخي وانعدام القدرة على العطاء، والاهتمام بالذات بشكل غير مسؤول، عبر التفاعل السلبي تجاه البيئة الاجتماعية، فإن الأجيال القادمة ستجدها نفسها في بيئة فاقدة للمسؤولية، الأمر الذي ينعكس بشكل واضح على مختلف المجالات الحياتية، فالثقافة المسؤولة قادرة على تحفيز الطاقات، وإطلاق العنان إلى القدرات والإمكانيات، بحيث تظهر في الكثير من المواقف الحياتية، والممارسات العملية في مختلف الأصعدة الفكرية والعلمية.
التنمية الاجتماعية تظهر في السلوك الجمعي، من خلال الكثير من الإنجازات، والقدرة على التأقلم مع التطورات في الساحة الخارجية، خصوصا وأن العطاء مرتبط بوجود فكر قادر على القراءة الدقيقة، وكذلك بوجود عناصر تمتلك الرؤية الثاقبة، في التعامل مع الأمور بالطريقة العقلانية، بعيدا عن الانفعالية والاتكالية التي تولد الجمود، والموت التدريجي في مختلف المجالات الحياتية.