صناعة الأجيال
استمرارية حيوية المجتمعات، مرتبطة بالقدرة على توليد الكوادر البشرية القادرة، على تحمل المسؤولية، وكذلك أحداث الفوارق في مختلف المجالات، فالمجتمعات الجامدة أو الفاشلة في توريث المعرفة والعلوم للأجيال القادمة، تواجه خطر الاندثار الفكري والمعرفي، نظرا إلى انعدام الأسباب الطبيعية للتقدم والازدهار على الدوام.
إدراك أهمية الأجيال اللاحقة في مواصلة مشوار العطاء، على الصعيد الاجتماعي، يشكل البداية الحقيقية للتحرك بالشكل المناسب، في إرساء قاعدة صلبة للعمل المشترك، فالتجاهل المقصود بقيمة الأجيال الصاعدة، ينطلق أحيانا من غياب الرؤية الشاملة، وأحيانا أخرى مرتبط بطبيعة العلاقات القائمة بين الطرفين، نتيجة الاختلاف في التعاطي مع الرؤية المستقبلية للمسيرة الاجتماعية، الأمر الذي يقود لحالة من التنافر والابتعاد غير المبرر، وبالتالي فإن تقليص الفجوة في الرؤية، بين الأجيال السابقة ونظيرتها الصاعدة، يقضي على الكثير من الإشكالات، ويمهد الطريق للتعاطي بمسؤولية لمواصلة مشوار العطاء، الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى القفز على النظرة الضيقة، بهدف الارتقاء بالبيئة الاجتماعية، وتعظيم الفائدة من الأجيال الصاعدة.
عملية الاهتمام بالأجيال من أهم التحديات، التي تواجه المجتمعات البشرية، الأمر الذي يفسر توظيف كافة الإمكانات، وتسخير القدرات على اختلافها، في سبيل تعبيد الطريق أمام الأجيال الصاعدة، لاحتلال المواقع المتقدمة، من أجل مواصلة مشوار الرقي، والتقدم في المراحل القادمة، لا سيما أن رسم المستقبل يتطلب إعطاء الأجيال الاهتمام اللازم، من خلال وضع البرامج القادرة على الارتقاء، بالتوجهات بما يصب في المصلحة المشتركة، وبالتالي فإن التحرك المدروس خطوة أساسية، في سبيل مواصلة مشوار العطاء في المجتمع.
إتاحة الفرص على اختلافها، لممارسة الأجيال الصاعدة كافة العلوم والفنون العملية والإنسانية، يساعد في تفجير الكفاءات، واكتشاف الطاقات الكبرى، لدى الأجيال القادمة، فالشباب قادر على الاستفادة من الفرص المتاحة، بما يعود عليه بالفائدة الكبرى، وعلى المجتمع بالخير الكثير، خصوصا وأن المساحات المحدودة للشباب، لا تخدم التفكير المستقبلي للمجتمعات البشرية، لا سيما وأن الطاقات الضخمة للشباب بحاجة إلى مساحات واسعة، للإبداع والانطلاق في كافة المجالات العملية والعملية، وبالتالي فإن محاولة رسم مسارات محددة للأجيال الصاعدة، تكون مفيدة في البداية، ولكنها غير مجدية على الدوام، فهذه المسارات بمثابة معوقات تحول دون إظهار الكفاءات بالطريقة المطلوبة.
نقل الخبرات المتراكمة من الأجيال السابقة إلى مثيلاتها اللاحقة، عنصر أساسي في تجاوز التحديات التي واجهات الأجيال السابقة، مما يسهم في اختصار الزمن، والانتقال إلى المسارات الأكثر إبداعا، في مختلف المجالات العملية والعملية، خصوصا وأن الكثير من الخبرات السابقة قادرة على إضاءة الطريق، أمام الأجيال الصاعدة، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على تحقيق النجاحات على الصعيد الحياتي، بمعنى آخر، فإن الامتناع عن رفد الأجيال القادمة بالخبرات العملية، لا يخدم مسيرة التنمية، ويضع الكثير من التحديات أمام هذه الأجيال، الساعية لترك بصمة واضحة في التاريخ الاجتماعي، وبالتالي فإن اختصار الزمن يتطلب التعاون المشترك، بين الأجيال السابقة ونظيرتها اللاحقة، بما يحقق الغايات المرسومة على الصعيد الاجتماعي.
ارتكاب الأخطاء، وتعثر الأجيال الصاعدة، في تحقيق النجاحات، ليس مبرراً لشطب دورها المحوري في الحياة الاجتماعية، فالأخطاء تقود في الغالب لإعادة النظر في الكثير من القناعات، والممارسات في مختلف المجالات، مما يسهم في تجاوز الكثير من العراقيل، التي تعترض الطريق، فالهفوات واردة في جميع الأعمال، فالمرء يتعلم من الأخطاء للوصول إلى الطريق الصائب، وبالتالي فإن استخدام أخطاء الأجيال الصاعدة، كغطاء لممارسة التهميش ليس مقبولا، خصوصا وأن الجميع شركاء في صناعة المستقبل الاجتماعي، حيث يقوم كل جيل بدوره في العطاء بمختلف أشكاله.
صناعة الأجيال مسؤولية مشتركة، بحيث لا تقتصر على فئة محددة، أو مؤسسات اجتماعية معينة، فالمجتمع بحاجة إلى جميع الجهود، في سبيل الارتقاء بالمسؤولية الجماعية، من خلال توظيف الطاقات الشابة، بما يعود على البيئة الاجتماعية بالخير الكثير.