سريرتك هي كينونتك..!
البئر تجتمع فيه عروق ماء الأرض، وسرائرنا خلاصة كل أعمالنا ومعتقداتنا وما نحن فيه، والوعي العميق الذي بلغناه في حياتنا كلها.
هذا يجعلنا ندرك الدلالة في وعد الله المؤجل أن يبتلي سرائرنا جميعا «يوم تٌبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر»! ولكننا رغم هذا الإدراك الأولي نفقد القدرة على التحديد له، فنحن نعلم أن جوهر كل نفس هي ما تستبطنه في ذاتها من المشاعر والإرادات والرغبات، ونعلم أن مقدار كل قلب هو بمقدار يقينه وشواغله، ونعلم يقينا أن النفوس تتمايز والقلوب تختلف بين ما هو ظاهر لنا وبين حقيقتها، ودائما هناك فارق يطول ويقصر بين الحقائق والظواهر.
يظهر لنا هذا الوعد «يوم تٌبلى السرائر» ليفرق بمكنونها المصائر وليتباعد بما فيها المنازل، ويختلف بها الدرجات.
وإن هذا الباطن لقلوبنا وأنفسنا هو الناصية التي يفرق بها ويجمع، ويذل ويعز، ويرفع ويوضع، تجري بمكنون نفوسنا المآل والخاتمة والمصير..!.
أن تبتلى سريرتك تعني أن تدرك قبل فوات الأوان أن باطنك سيحدد مصيرك وخاتمتك، وأن الله سيبتليه بالمساءلة والمحاسبة، وسينال نصيبه من هتك حجاب الستر عنه، وسيصبح هذا الباطن ظاهرا لا تخفى منه خافية، ولا يستكتم خباياه الأثيرة عنده.
ربما أدركت أنت وأدركت أنا بعد فوات التدارك، وحين يستعصي علينا في لحظتها التطهر مما نخشى انكشافه، ويخجلنا ظهوره حتى أمام أنفسنا.
سنرى كذبنا للصادقين لنا، وسيظهر شدة حرصنا، وسينجلي ضغائن ما نكن، وكره ما نستبطن، والوعود التي حملت عزيمة عدم إرادة الوفاء بها، بخلنا وحرصنا، حسدنا، وتمام غفلتنا، وقسوة قلوبنا، وخطيئتنا الكبرى حب كل شيء إلا حبه سبحانه والإقبال على كل شيء إلا الإقبال عليه.!..
حين ذاك نعرف أننا «ما لم نمعن التطهر لباطننا» سنكون أضعف مما نعتقده في أنفسنا من ضعف، وكلما ظهرت تلك السرائر منا كلما تباعد عنا الناصر، وتباعد عنا المعين والشفيع.
توقف بمقدار إدراك سريرتك في كل موقف، ومع كل عطية، وقبل كل طاعة ومع كل حب، وفي كل موقف، وقبل كل كلمة، وتوقف عند إراداتك كلها، ومع مشاعرك جميعها، توقف عند قلبك إيمانه رضاه عن ربه، أو طمعه وقلة شكره، أدرك شواغله، أدرك يقينه ونوازعه وغفلته وذكره الغالب عليه ذكره.
فأنت على موعد ليوم تبلى فيه السرائر وما لك نصيب من قوة في نفسك ولا لك نصيب من ناصر من خارجها.
هنالك تفرق المصائر، وخواتيم كل نفس بما كسبت، قبل أن تنكشف النفوس، وقبل انقضاء المواقيت، وقبل الحيرة مع تمام الآجال العارضة المباغتة، وقبل أن تستعصي النفس بتفريغ أحمالها تذكر في كل يوم، أن لك موعدا أنت مقبل عليه، ستبلى فيه سريرتك وبما فيها سيكون المآل والمصير.
عند لحظة التجلي العظمى، وفي اليوم المشهود، يوم كأننا نسينا تسميته «يوم تبلى السرائر» فالتكن سريرتك هي أفضل من عملك، وأطهر شيء فيك، وهي أجمل خبيئة تذخرها لربك لهذا اليوم ن لهذه اللحظة، التي لم يرد الله تعالى أن يجعلها مباغتة دون علم مسبق، بل هي موعد مؤجل لكل ما يطويه قلبك، وما تحمله نفسك وما أنت على الدوام فيه وله..
حين ذاك لحظة الكلمة الأخيرة..
والمصير الأبدي حين تتحول سريرتك إلى كينونتك الأخيرة..!.
فالتكن أطهر طهر تخرج به من الدنيا..
وتلاقي بها الله تعالى..