قلب الطاولة على الزوجة
ورد عن رسول الله ﷺ: ومن أضر بامرأة حتى تفتدي منه نفسها لم يرض الله له بعقوبة دون النار؛ لأن الله يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم» «وسائل الشيعة ج 22 ص 283».
الحياة الزوجية مبنية على الصدق والثقة والتعاون بين الزوجين، ومتى ما فقد أحد هذه الأضلاع الثلاثة اختلت تلك العلاقة وسادها التوتر، فالمشاعر العاطفية التي تعد صمام الأمان لتلك العلاقة تأتي وفق تسلسل لمواقف يشعر فيها الطرف الآخر بالتقدير والاحترام، وأما إذا تدخل عامل المراوغة والكذب أدى ذلك إلى انهيار علاقتهما ولو بعد حين، كما أن احترام كيان شريك الحياة لا يتمثل بالتقدير بالكلمة الرقيقة فقط، بل هو احترام وجوده ومشاعره وأفكاره وظروفه ومراعاة حاله في الأوقات الصعبة ومآزرته حينها، كما أن الحفاظ على الحقوق والواجبات الزوجية من قبل الطرفين يديم المحبة ويبعدهما عن شبح الزعل والانفعالات غير المقبولة، ومن تلك الحقوق الملقاة على عاتق الزوج هو الجانب المالي وإن كانت الزوجة موظفة أو عندها مصدر مالي آخر كالإرث أو الهدايا من الأهل والإخوان، والبعض من الأزواج لا يراعي الجانب الشرعي فيحاول الاستيلاء على المختصات المالية لزوجته بالحيل والمراوغات المختلفة.
الحياة الزوجية كيان مشترك يقوم فيه الزوج والزوجة بالعمل على الاستظلال بالاستقرار والانسجام، وهذا يتم من خلال التفاهم والتشاور بينهما ومعالجة أي خلاف يطرأ أو مشكلة يمران بها بمنطق الهدوء والحوار والعمل المشترك للوصول إلى صيغة مرضية للطرفين، ولذا فإن لكل منهما دور وظيفي يسهم في تحقيق السعادة والراحة النفسية لهما، فالزوج عليه مسئوليات أهمها المسئولية المالية لتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لهما، وإذا مرا بضائقة مالية يتجلى الصبر من الطرفين والحد من المصروفات قدر الإمكان لئلا يضطرا للدخول في نفق الإعسار، وبعض الزوجات لا تتحمل شد الحزام المالي والتوقف عن شراء غير الضروري والكماليات تحت أي ظرف، فيدب الخلاف والمشاكل بين الزوجين إذ يشعر الزوج بأنها لا تقدر جهوده لتجاوز هذا الظرف المالي الصعب ولا تشاركه همومه، وفي المقابل تستحق آيات الثناء والتبجيل تلك الزوجة التي تكون سندا مآزرا لزوجها وتشارك في الحلول المساعدة لهما ماليا، وأهمها تقليل المصاريف في تلك الفترة قدر الإمكان، ولكننا - للأسف - نجد الجحود والناكر للمعروف من الأزواج فيطيح بجهود ومواقف زوجته النبيلة ولا يقدرها ولا يشعر بقيمتها ودورها في تجاوز الاهتزازات المالية التي يمران بها، فبعد مرحلة معاناة وضيق مالي لا يفكر ذلك الزوج في تعويضها بهدية تزيل عنها عناء تلك الفترة، ولا يضع هذا الفضل منها في موضع يشفع لها عند وقوع الخطأ منها، إذ أهم مزيلات الزعل بين الزوجين تذكر المواقف الجميلة من الطرف الآخر فتتحرك رحى التسامح والعفو عند شريك الحياة.
اللفتة النبوية تتحدث عن إحدى خفايا النفس وأسرارها عندما تتصل بخطوات الشيطان، فينقلب التفكير والتصرف إلى الدناءة والتسافل وتجاوز كل الخطوط الحمراء الشرعية والقانونية، فيفقد المرء حينها نظام كبح النفس والتوقف عندما يصل الأمر إلى التجاوز والعدوان على حقوق الآخرين، فالأمر إذا تعلق بالجانب المالي سال لعاب صاحب النفس الدنيئة وتحول همه إلى غاية جهنمية وهي تحصيله ولو بوسائل غير مشروعة، وهكذا يفعل بعض الأزواج في سبيل الحصول على المردود المادي «المهر كاملا بعد الدخول أو نصفه إن لم يدخل بها»، وذلك من خلال قلب الطاولة عليها بحيلة شيطانية تخلصه من التبعات المالية التي لا يستحقها، وذلك من خلال إيذائها وتوجيه العنف اللفظي لها وتحويل العلاقة بينهما إلى جحيم لا يطاق؛ بغية وصولها إلى قناعة مفادها أن خلاصها من هذا العذاب يكمن في افتداء نفسها بالمال، فتتنازل عن حقها في المهر أو تلجأ مضطرة إلى طريق الطلاق الخلعي لتتخلص من تنمره وعدوانيته ونفسه المريضة، بل تصل بالبعض الوقاحة والاستغلال البغيض إلى أن يساومها على حريتها وإطلاق سراحها من سجنه الموحش، بأن يطالبها بمبالغ تفوق المهر لمعرفته بأنها وإن رفضت في بداية الأمر ولكنها سترضخ لابتزازه وأذاه في النهاية.