الظلم والسلام
الظلم دخان يتصاعد من جمر ملتهب بالحقد والكراهية، يخنق المظلوم ويقطع أنفاس آماله، ولا يكتفي بذلك بل يتسلسل بخبث إلى كينونته الطيبة ويحاول تلويثها.
من أكبر الذنوب عندالله هو الظلم، وأكبر ما يعظمه الإسلام على الإنسان من الذنوب ظلم الناس والعدوان على الآخرين، وذلك اتباعا لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم واستنكاره.
أولئك الظالمون يعتقدون أن الطيبة ضرب من ضروب الغباء.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾
وعن الإمام علي : «أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق»
وعن الإمام الصادق : «من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده». وعنه أنه قال: «من أكل من مال اخيه ظلما ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة».
إذًا الظلم من أكبر الذنوب عند الله، وأعظم مايحاسب عليه الإنسان هو الظلم، وأما الظالمون لا يعترفون بالسلام لأنهم ببساطة يرونه كالماء لاطعم له ولارائحة، بينما حقيقته أنه يطهر النفوس ويزكيها من تلك الرواسب الميتة في القلوب، ويبعث فيها الحياة بزخات من ودق النقاء والشفافية.
وبين ظلم وسلام تنسج حكايا وحكايا في كل بقعة نجد لهما بصمات تدين الظلم وتثبت براءة السلام،
وفي كل زمان تكون الحرب دائما قائمة بينهما، تلك الحرب التي لاتميز بين كهولة وطفولة.
تلك الحرب القائمة منذ الأزل بين الظلم والسلام تشترك فيها جميع الأعمار لأن الجميع كالسحابة التي تنفصل عن أصلها لتتشعب وتمطر غيثا كالذي يمطره أصلها، وبين هذه التفاصيل وفي شارع تجرد رصيفه من الرحمة، وفي وقت سلطت فيه الشمس على الأرض حرارة أشعتها سلط فيه الظلم حرارته على بدن السلام.
فبينما كان طفل السلام يخطو سالكًا طريق الخير مسترشداً بخارطة العدالة، فإذا بطفل مشرد تائه قد خلفه الظلم وراءه يسلب من جيوبه أوراق الحرية ويمزق رداء يحميه، وبابتسامة سخرية بشعة نظر إلى تلك الملامح البريئة فأراد تشويه الوجنات المزدهرة بصفعة جائرة، ولكنها لم تترك أثرا يرضي غروره، ولم يرضي ذلك الغرور سوى لون قاتم من الكدمات تخربش ملامح السلام بوحشية، ليترك أثرًا كتلك الآثار التي تتركها بقع الشاي على خرقة قماش بيضاء.
ولكن كل هذا لم يكن سوى رذاذ مطر بدأت به الغيمة لتمطر بعدها بسيل من العدوانية القاتلة فبدأت غيمة الظلم تهطل ركلات من الضرب المبرح على جسد السلام، لتنبت الجروح المتقرحة عليه ويتهاوى كريشة تتلاعب فيها الرياح إلى أن يسقط متناثر الدموع مسلوب القوة، وحيدا على الثرى بلا أحضان رحمة تضمه إليها وبلا همس هادئ يواسيه.
هم البشر من جعلوا السلام ضعيفاً حين تخلوا عنه رغم القوة التي يخبئها بين جنباته، وتبعوا الظلم وسندوه وأصبحوا من أعوانه، وتركوا السلام وحيداً يحارب أعداءه بعدة معدودة، ولو علموا مايكنه السلام من عظمة وأجر وثواب لعمروا قلوبهم بالمحبة عوضا عن هدمها بالحقد والكراهية.
اللهم لا تجعلنا من الظالمين واجعلنا من أهل السلام إنك سميع مجيب.