آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:29 م

التذمر

محمد أحمد التاروتي *

التذمر ثقافة احترافية تمارسها بعض الفئات الاجتماعية، بهدف إظهار الامتعاض، وعدم الرضا على جميع القرارات المتخذة، فتارة يكون التذمر لتصحيح المسارات السقيمة، ومحاولة إعادة الأمور للوضع الطبيعي، نظرا لوجود اعوجاج واضح في القرارات المتخذة، مما يستدعي انتهاج التذمر بطرق مختلفة، خصوصا وأن الرضا لا يخدم على الإطلاق، بقدر ما يفاقم الأمور سوءا، وتارة أخرى يكون التذمر وبال ومصدر إزعاج للجميع، باعتباره وسيلة لتعطيل الحركة الاجتماعية، والتحرك في اتجاه غير سليم، الأمر الذي يستدعي عدم الالتفات لهذه الحركة المزعجة، لا سيما وأن الاستجابة لهذه النوعية من الممارسات غير السليمة، يجلب الخراب على الجميع، مما يفرض الوقوف تجاه مثل هذه السلوكيات ”غير المنضبطة“، بهدف تغليب المصلحة العامة، على اعتراضات وامتعاضات، تنطلق من قناعات خاطئة.

غياب القدرة على استيعاب بعض القرارات، ليس مدعاة للتحرك بطريقة معاكسة ومضادة، خصوصا وأن هناك بعض الأمور تتطلب الغموض بعض الشيء، نظرا لحساسية الموقف أولا، وعدم إتاحة المجال للأخطاء ثانية، وبالتالي فإن الفشل في القراءة الدقيقة لبعض القرارات المتخذة، لا يستدعي الوقوف أمام حركتها باستخدام مختلف الوسائل المتاحة، بقدر ما يستدعي التحرك بوعي، وانتهاج سياسة المرونة، للحصول على بعض الإجابات، والتعرف على بعض الحقائق، وبالتالي فإن استخدام التذمر كوسيلة للحصول على المكاسب، يكشف حالة من القصور الذاتي، وعدم القدرة على الارتقاء بمستوى المسؤولية.

انتشار التذمر في الثقافة اليومية، لدى بعض الفئات الاجتماعية، ينعكس بصورة مباشرة على الثقافة ”الحية“ في البيئة الاجتماعية، فالتذمر يصيب الحركة الاجتماعية بحالة من الخمول، وعدم النشاط، نظرا لوجود فئات تعمل على نشر التشكيك، في مختلف التحركات الاجتماعية، من خلال تصوير الأمور بشكل مغاير وغير صحيحة من جانب، وبهدف استقطاب بعض الفئات للحصول على المساندة والتأييد، كنوع من الغطاء للممارسات غير السليمة، التي تمارسها من جانب آخر، وبالتالي فإن التذمر حركة تخريبية تحاول بث الثقافة السلبية، في أركان الجسم الاجتماعي، خصوصا وأن النجاح بمثابة العدو لأصحاب ثقافة التذمر في البيئة الاجتماعية، مما يدفع للتحرك بالطريقة المعاكسة لإفشال التحركات الساعية، لوضع البيئة الاجتماعية على الطريق السليمة.

الشعور بالعجز، وعدم القدرة على إنجاز بعض الأعمال، والعمل على التهرب من المسؤولية، عناصر أساسية في انتشار ثقافة التذمر في الوسط الاجتماعي، فالفشل في تحقيق الإنجازات، وعدم القدرة على ترجمة الكثير من الأعمال بالطريقة الصحيحة، يمثل مدخلا أساسيا في انتهاج سبيل التذمر، والعمل على إثارة البيئة الاجتماعية، تجاه بعض الأعمال، كونها قرارات تجلب الأضرار على الجميع، مما يستدعي الوقوف بحزم أمام تلك القرارات، وعدم السماح بمرورها، خصوصا وأن مرور تلك القرارات يكشف زيف هذه الفئة أمام الرأي العام، الأمر الذي يفرض التحرك السريع في إيقاف تلك القرارات بشتى الطرق.

فيروس التذمر قادر على اختراق الثقافة الاجتماعية، فانتشاره لا يقضي على المبادرات والأنشطة على اختلافها، ولكنه يسهم في تكريس الترهل في العقل الاجتماعي، من خلال اتخاذ التذمر وسيلة لعدم التحرك، واتخاذ القرارات القادرة على النهوض بالبيئة الاجتماعية، خصوصا وأن البعض يمارس المعارضة والوقوف أمام جميع المبادرات، كونها وسيلة للهروب من المسؤولية، وبالتالي فإن التذمر يمثل استراتيجية ثابتة في جميع الأحوال، نظرا لعدم القدرة على انتهاج سياسة متوازنة أو مرنة، تجاه ما يجري من تحولات ومتغيرات على الأرض.

الوقوف أمام ثقافة التذمر، يترجم من خلال إجراء تبديل في النظرة، تجاه مختلف القضايا، من أجل استقطاب أكبر شريحة اجتماعية، مما يسهم في سحب البساط من تحت أقدام أصحاب ”التذمر“، وبالتالي إيجاد الأرضية المناسبة، لتقليل حجم المعارضة، تجاه الكثير من القرارات، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على طبيعة التعاطي، مع القرارات والمبادرات في البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي