صنعة التأهيل البشري.. بين الإدراك والتهميش.. حَدَثٌ وحَدِيْثٌ ”44“
تَتسَابَقُ أحدَثُ أجنداتِ برامِجِ المُؤسّساتِ الصحِيةِ المُتخصّصةِ، حولَ العالم؛ وتَتبارَى أبرعُ المَراكزِ الطبِيةِ الحَديثةِ المُتقدّمةِ - بكَفاءةٍ عَاليةٍ - في إعادةِ تأهِيلِ صَفّ المَرضَى، مِن كِبارِ السّنّ وغَيرِهِم، جِسمانيًا، وعُضويًا وَظِيفيًا، بَعد نَوبةِ مَرضٍ مَا، أو إجراءِ عَمليةٍ جِراحيةٍ صَعبةٍ، بالاستِعانةِ بمُبتكراتِ وأَبحاثِ التكنولوجيا المُوهِّلةِ العصرِيةِ؛ رَغبةً مُتطلّعةً مِن صُفوفِ فُرقاءِ كوادر العملِ الطّبيةِ المُدرّبةِ، وأطقُمِ أفرِقةِ القائمِين المُتخصّصِين عليها، في المَيدانِ العِلاجي الطبّي، على تَقديمَ ”كُورساتِ“ البرامجِ التأهِيليةِ لنَمطِ تلك الخَدَماتِ الإنسَانيةِ المُباشرةِ، على بَذلِ الاجتهادِ الدائِب؛ ومَنحِ سَماحَةِ السّعي المُواظِب؛ لإنقاذِ مَا يُمكن إنقاذُه لإحياءِ بَقيةِ زَهوِ رَمقِ النفسِ البشريةِ، أيًا كانَ شَأنُها… «… ومَن أحياهَا فكأنّما أَحيَا الناسَ جَميعًا…» * بُغيةً جَادةً، وأَملًا صَادقًا، في إعادةِ استِرجاع قَوامِ اللياقةِ والمُرونةِ الضامِرتين المُتضرّرتين؛ ومُحاولةَ تَسكِينِ سَلاسِل الأوجَاعِ المُتردّدَةِ؛ وتَخفِيفِ مَوجاتِ الآلآمِ المُتجدّدَةِ؛ ورُبّما استردادِ رَسمِ أَيقُونةِ سَحنةِ البسمةِ المَفقُودةِ سَاعةً، وبَثِّ دَورةِ ”مِيكانيكِيةِ“ رُوحِ الأَملِ المُتواريةِ الكَامنةِ إِفاقةً، ببن ثَنايا وجَوانِحِ الضّلوعِ المُتشظّيةِ؛ بتّكرارِ فَرشِ ومَدّ أَنضرِ نَسيجِ بِساطِ السعادةِ الأَخضرِ المِضيافِ، لِإعادةِ تَأهِيلِ وتَمكِينِ مَسيرةِ تلك النفسِ الخَائرةِ المُنكَسِرةِ… التي فَاتَتهَا وَقتئذٍ، رِحلةُ قِطارِ مَوكبِ نُخبةِ الأَصحّاءِ السعَداءِ، مِن ذَوي أصحَابِ الهِمَمِ والعزائمِ النشِطةِ؛ وجَافاهَم مُؤشّرُ عُلوّ سَاطعِ نَجمِ حَظِ ”المُوفّقيةِ“ الإيجابيةِ اللّامعِ، المُختَبئين تِيهًا، في عَتمةِ أجواءِ مَسيرةٍ فَاخرِةٍ في مَقصُورةِ قِطارِ رحلةِ الحياةِ العاصِفةِ، التي لَا تَخلُو أَحْلَى مَواكبِها يَومًا، مِن مُؤكّدِ الكَبواتِ المُعوّقةِ؛ ولَا يَنجُو صَفاءُ رَبيعِها مَرّةً، مِن مُحَقّقِ وَاقِعِ يَقينِ السّقطاتِ الجَسِيمةِ المُثبّطةِ عَرَضًا، عَن إِدراكِ واستِقراءِ مَرحلةِ إغراءِ مُواصلةِ رَكبِ التقدّمِ الإيجابِي المَنشودِ، بين مَنظُورِ تَصاعُدِ ألسنةِ الأَموَاجِ المُتنامِيةِ، ومَسعُورِ لُجّةِ البحرِ المَهيبةِ، وَسَط طَنِينٍ وأنينٍ مُتناغِمين، في عُنقِ نصلِ مِزمارِ نايِ الشجَن، المُفضِي إلى نَسقِ دَوّامةِ سُوحِ الضّياعِ الوَاسعِ الكَاسحِ، الساريةِ أنغامها الشجِية، في ظُلمةِ خِضمّ مَسارِ أحلكِ جَولةٍ انتقالِيةٍ، مِن مِشوارِ رِحلةِ نبضِ مَحطّاتِ الحياةِ المُتصرّمةِ، بكَاملِ قَضّها، وتّامّ قَضِيضِها…!
وهُناكَ مِن غَرسِ رَكائزِ الأولَوياتِ البِكر الأساسِيةِ، في حَياةِ الفردِ، تُمنحُ طَوعًا، منذُ نُعُومةِ أظفارِهِ، أَلَا وهِي حِرصُ الوالدَين على استهلالِ رَكيزةِ التعليمِ الأَساسِيةِ الإعدادِيةِ التأهِيليةِ؛ لتشكِيلِ تَصوّرٍ مُرْضٍ، لِواقعِ مُستقبلِ الطفلِ المَنظُورِ؛ للمُساهَمةِ الجادةِ لَاحِقًا، في استِكمالِ تَخصّصهِ المُواكبِ لِسُوقِ العملِ؛ للانخِراطِ النمطِي السائدِ حِينئذٍ، في نَسقِ مُجرياتِ ومَسالكِ الحياةِ العمليةِ والاجتماعيةِ؛ لبناءِ أولَى لَبِناتِ؛ وبَسطِ وَطيدِ دَعائمِ؛ ومُلاحقةِ أسمَى مُتطلّباتِ طَلائعِ أَنضرِ مَراحَلِ العُمرِ المُتتابعةِ المُتتاليةِ: المعِيشيةِ والفِكريةِ، والاجتِماعيةِ، والكسبيةِ، والعملِيةِ، تِباعًا… في نِطاقِ رائدٍ واعدٍ بالعَطاءِ، في خِضمّ سِياقِها المِدرَار؛ لتَستمرّ مَساعِي مَهمّةِ التعليمِ؛ وتَستقوِي سُوق نَهمُ التعلّمِ؛ ويَتنامَى قَطيفُ ثَقافةُ المَعرفةِ؛ ويَزدادُ العملُ المُثمِرُ الدائبُ بإِرثِ وافرِ، ورَصيدٍ عامرِ، مِن أُصولِ رَيع إنجازاتِهم المُتنامِيةِ، طوالَ مِشوارِ رحلة الحياةِ الساحِبِ؛ لحَاجةِ الإنسانِ المِجاهِدِ المُكافِحِ، ذي النّفَسِ الطويلِ المُنافِحِ، إلي بُلوغِ أسْنِمتِهم جَميعًا، كَحاجتهِ الأساسِ المِلحَاحِ إلى احتِساءِ رَشفةِ مَاءٍ؛ أو استِنشاقِ شَهقةِ هَواءٍ؛ مِن مُنطلقٍ سَديدٍ قَويمٍٍ، مَفاده: إنّ قَوامَ مَنبعِ مَلَكةِ الفِكرِ المُتجدّدةِ، هِي بِمثابةِ زَوبعةٍ هَائجةٍ نَشطةٍ، لَا يَهدأ دائمُ طَنينِ ضَجيجِها النشِط؛ ولا يَفتُرُ مُثارُ غُبارُ عَجيجِها العَجِل، إلَّا بَعد أنْ يَغيبَ آخِر شَهيقُ النفَسِ؛ ويَتوقّفُ زَهوُ مَعالمُ الحَياةِ النابضةِ… وكَما أوصَانا نبيُّنا الكريم عليه، وعلى آله وصَحبهَ أفضَل الصلاة، وأتمّ التسليم: «اطْلُبُوا العِلْمَ مِنَ المَهْدِ إِلى اللَّحدِ».*
وهُنالكَ يَحتلّ دَورُ مَفهومَا ”التأهيلِ“ و”التنميةِ البشريةِ“ المُترادِفان مَنزلةً جَليلةً مُوثّقةً، في جَودةِ إِعدادِ جِيلٍ واعدٍ - بكفاءةٍ عاليةٍ - يُشارِكان عَمليًا، في صَقلِ تنميةٍ مَؤمولةٍ، وإِعدادٍ مَرجُوٍ، لبَرمجةِ واقع الخُططِ التّنمويةِ المَرسُومةِ؛ للنهوضِ الشاملِ، والتطويرِ الكاملِ؛ لمُتطلباتِ وأُسُسِ مَنظوماتِ؛ وتِعزِيزِ مُحدّداتِ أطُر الإستراتيجِياتِ الوطنية المُستدامةِ والمَرجُوّةِ تحقِيها، بكفاءةٍ عَاليةٍ؛ للّحاقِ اليقِظ بأرقَى أسنِمةِ نهضةٍ مُثلى، يَتطلّع إليها لَفيفُ شَعبٍ مَا، طَالما عَانقَ زَهوَ الحياةِ؛ وعَشِقَ مَراتِبَ سُلّم الإرتِقاءِ…! ولعلّ أُطرَ مَذاهبِ التنميةِ البشريةِ الخيّرةِ المُبتغاةِ تَطلّعًا، بكاملِ خُططِها المُبرمةِ؛ وتامّ بَرامجِها التنموِيةِ؛ وجِدّةِ أبحاثِها المَيدانيةِ الطّمْوحِ، عاملُ أساسٍ في إنجازِ وإنجاحِ أعلى وأنمى مُستوياتِ بُنى مُتطلّبات التنميةِ الاجتماعيةِ؛ ومِثلها تَحقيقِ ناتج رَيع المُكتسباتِ الوطَنيةِ والثقافِيةِ والتنمويةِ العامّة؛ وزيادةِ ناتجِ مَردُودِ المَواردِ ِالاقتصاديةِ الشاملةِ، على وَجهِ العُمومِ… ويَلُوحُ في عَنانِ أفقِ التأهيلِ البشري، وتنميةِ المواردِ البشريةِ، شَاهدان عَمليّان إثنان... أولهُما مِن اليابان، والآخر مِن فرنسا. «أما اليابان، فقد كانت السبّاقةَ في رَسمِ خططِ برامجِ تنميتِها البشريةِ مُنذ العصرِ المِيشِي في عام 1868م، حَيث شرعَت الدولةُ في إرسالِ البعثاتِ الطُلابيةِ إلى الدّولِ الغربيةِ، مِثل إنجلترا وفرنسا؛ ولَاحقًا نجحَت في بِناءِ أُسس قُوّتِها الاقتصاديةِ، وكَذا تأسِيسِ البُنى التّحتيةِ الأساسيةِ؛ واستِحداثِ مَنظومةِ مُؤسساتِ البحثِ العلمي، والتطوِيرِ التكنولوجي... أمّا فرنسا، التي تحتلّ القوةَ الاقتصاديةَ العالميةَ الخامسةَ؛ فقد اهتمّت تِباعًا، باستغلال وتنميةِ نَاتجِ أصولِ، وبنود مَواردِها الطبيعيةِ؛ وكوادرِها البشريةِ، وكذا مُخصّصاتِ الإنفاقِ السخَيّ على البحثِ العلمي؛ كّما اهتمّت بتطويرِ المَيدانِ التربوي، ومِثله التعليم والصحة؛ وركّزت على الهندَسةِ في المدارسِ العُليا؛ واهتمّت بتُكنولوجيا الإعلام والتواصُل؛ حتى وصَلت إلى مُستوياتٍ مُتقدّمةٍ مِن النموّ، والتقدّمّ، والازدهارِ...» *.
هذا، ويَبرزُ للعِيانِ المُتتبّع في شأنِ التنميةِ الشاملةِ الأُنموذَجِ المُزدَوجِ التوأَم: المواردُ البيئيةُ الطبيعيةُ؛ والتأهيلُ البشري «إعداد الكَوادِر البشرية» المؤهّلة، المُواكبُ لمُتطلّباتِ التنميةِ البشريةِ... هذا، وتّتصَدّر تلك الخُططُ الوطَنيةُ التنمويةُ المرسومةُ استهداف ورِعاية احتياجاتِ الأفرادِ: كالتعليمِ، والصحةِ، وبَرامجِ التدريبِ المُتجدّدةِ؛ وكذلك مُتطلبات وأُسس البُنى التحتِيةِ… لِيصلَ الباحثُ المُتابعُ إلى مَفهومِ مُصطَلحِ المُؤشّرِ الاقتصادِي، بقسميهِ العامِ والقطاعي… ويتفرّعُ مِن تلك المؤشرات المالية: مؤشراتُ الإيراداتِ العامةِ، ومّا يِوازِيها مِن أصولِ النفقاتِ العامةِ… تلك الأُصولُ البارزةُ مِن المؤشراتِ القائمةِ تُفيدُ الباحِثين المَيدانِيين في شُؤونِ الاقتصادِ والطاقةِ في تقييمِ أداءِ مُقتضياتِ المُستوى الاقتصادي العام؛ لِلوصُولِ المَدرُوسِ إلى تَصنيفِ وتَقييمِ المُؤشراتِ التربويةِ والصحيةِ، والماليةِ والاجتماعيةِ… في ظِلّ إطارِ التقييمِ العالمِي المَاثلِ، لاقتصادِ دولةِ مَا، بمُستوياتٍ ومَعايير عَالميةٍ عَامةٍ مْقنّنةٍ، وتَصنيفِها اقتصاديًا إلى: دولةٌ مُتخلفةٌ، أو نَاميةٌ، أو مُتقدّمةٌ…!