هل الأثرياء أكثر ذكاءً من غيرهم؟ اليكم ما تقوله البحوث العلمية
1 يونيو 2023
بقلم جيوفاني سالا، استاذ مساعد في علم النفس، جامعة ليفربول، وفرناند جوبت، زميل أبحاث في علم النفس، كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم 157 لسنة 2023
Are rich people more intelligent? Here"s what the science says
June 1,2023
Giovanni Sala، Lecturer in Psychology، University of Liverpool، and Fernand Gobet، Professorial Research Fellow of Psychology، London School of Economics and Political Science
من المسلسل الكوميدي الدرامي اللوتس الأبيض [1] White Lotus إلى المسلسل الدرامي الكوميدي الخلافة [2] Succession، هناك طلب كبير على الأعمال الدرامية التلفزيونية عن ذوي الثراء الفاحش. عادة ما تُوصف هذه الشخصيات في هذه البرامج على أنها مستحقة [3] وجوفاء «فارغة مشاعريًا» وحزينة. لكن لا تُوصف بالضرورة على أنها غير ذكية. فهل الأغنياء أغنياء لأنهم أذكياء؟
في خضم أزمة غلاء المعيشة، يتجاوز هذا السؤال الفضول العلمي إلى ما هو أعمق.
إذا كان صافي ثروة البعض نتيجة لذكائهم فقط، فقد يُنظر إلى فجوة الثروة الهائلة [بين الأغنياء والفقراء] التي نراها في مجتمعنا على أنها فجوة لا تطاق - على الأقل من قبل البعض. عدم المساواة «التفاوت» [4] هو الثمن الذي علينا أن ندفعه مقابل أن نكون جميعًا تحت تصرف الأذكى منا ليأخذنا إلى مستقبل أفضل.
ليس هناك شك في أن الذكاء له دور في نجاح الشخص اقتصاديًا ومهنيًا. خذ هؤلاء المليارديرات العصاميين إيلون ماسك Elon Musk وجيف بيزوس Jeff Bezos وراي داليو Ray Dalio، على سبيل المثال لا الحصر. سيكون مستغزبًا لو تبين أن كبار المبتكرين في المجالات المتقدمة مثل التكنولوجيا وقطاع التمويل كانوا من متوسطي الذكاء.
في الواقع، الذكاء هو أفضل مؤشر على التحصيل الدراسي والأداء الوظيفي [5 - 7]. والنجاح الأكاديمي [8] والمهني «الوظيفي» [9] وهو بدوره مؤشر جيد للتنبؤ بالدخل. لكن هذه ليست القصة كاملةً.
ليس لدى كل الأذكياء جدًا رغبة في الثروة من الناحية الأولية - فهم غالبًا متعطشون للمعرفة. قد يختار البعض وظائف ذات رواتب متدنية نسبيًا لكنها مجزية فكريًا، مثل وظائف العمارة أو الهندسة أو الدراسات البحثية. بينت دراسة سويدية حديثة أن درجات الاختبار المعرفي «القدرات المعرفية أو اختبار الذكاء [10] » لأعلى 1٪ دخلًا من الناحية المالية لا تختلف اختلافًا كبيرًا عن الدرجات التي حصل عليها أصحاب المداخيل الضعيفة.
ولكن إلى أي مدى يمكن أن يؤثر الذكاء في تعزيز الثروة؟ قبل الغوص في الأدلة، لابد أن نوضح ماذا يقصد الباحثون بمصطلح ”الذكاء“. يمكن تعريف الذكاء بأنه القدرة على النجاج في طيف واسع من الاختبارات المعرفية. ويبدو أن النجاحات في هذه المجموعات من الاختبارات المعرفية هي نجاحات مترابطة ببعضها. فإذا نجح شخص في اختبار معرفي واحد، فمن المحتمل أن ينجح في اختبارات معرفية أخرى أيضًا.
ومع ذلك، فإن الذكاء ليس مفهومًا واحدًا موحدًا. بل في الواقع، يتكون الذكاء من مفهومين واسعين على الأقل: الذكاء السائل والذكاء المتبلور [11] . يسخر الذكاء السائل الآليات المعرفية الأساسية، كسرعة معالجة المنبهات الخارجية «الآتية من محيط الشخص» وسعة الذاكرة [12] والتفكير «الاستدلال» المجرد [13] ». وفي المقلب الآخر، الذكاء المتبلور يشير إلى تلك المهارات المكتسبة في محيط اجتماعي، مثل معرفة القراءة والكتابة والثقافة والحساب ومعرفة مواضيع معينة.
هذا التمييز مهم لأن هذين النوعين من الذكاء يتطوران بطرق مختلفة [14] . الذكاء السائل يمكن أن ينتقل بالتوريث [15] ، لكن لا يمكن تعزيزه وتقويته [16] ويتناقص بسرعة إلى حد ما مع التقدم في السن. من جهة أخرى، الذكاء المتبلور يتزايد طوال معظم مرحلة الرشد [17] «20 سنة وأكبر، بحسب التعريف» ويبدأ في التناقص فقط بعد سن ال 65 تقريبًا. لكن الذكاء السائل مفيد في بناء الذكاء المتبلور. يمثل الذكاء السائل قدرة الدماغ على اكتساب المعرفة والاستفاضة فيها. الذكاء المتبلور يقتصر، إلى حد كبير، على المعارف المكتسبة.
هذا يعني أنه إذا كانت مهارات المرء المنطقية متقدة «المترجم: ويعبر عن المهارات المنطقية بمهارات التفكير النقدي [18,19]، فسوف يعالج المعلومات الجديدة بسرعة، وسوف يدمج المعارف الجديدة مع المعارف السابقة بشكل دقيق. في النهاية، سيؤدي ذلك إلى تسريع تعلم أي فرع من فروع المعرفة مما يؤدي إلى نجاحه أكاديميًا وماليًا.
التعليم له دوره
ومع ذلك، فإن القدرات الفطرية ليست هي الشيء المهم والوحيد. إذ هناك عامل مهم آخر وهو التعليم.
أثبتت دراسة تحليل تلوي لدراسات أخرى [20] أنه كلما زاد عدد سنوات الدراسة، زادت درجات ذكاء الطلاب. هذا التحسن في الذكاء نابع من التدريب على مهارات معينة [21] ولم يأتِ من تعزيز القدرة الفكرية العامة [22] . لذا تقوم المدارس على تعليم الطلاب أشياء مفيدة لكل من النجاح المهني والنجاح في اختبارات الذكاء.
ليس مستغربًا أن يتأثر التعليم بدوره بالحالة السيسيواقتصادية [23] للأسرة. على سبيل المثال، المدارس الخاصة باهظة التكاليف [المترجم: المدارس التي تطبق، مثلًا، تصنيف بلووم Bloom للتعليم [24] والمدرسون الخاصون يوفرون للطالب تعليمًا شخصيًا عالي الكفاءة. وبالتالي، فإن امكانية الحصول على تعليم عالي الجودة قد يحدث فرقًا كبيرًا في الدخل في المستقبل.
بطبيعة الحال، فإن تأثير الوضع السيسيواقتصادي للأسرة على الثروة لا يأتي فقط بالتعليم. الميراث والعلاقات هي من بين الآليات الأكثر بداهة في التأثير في الثروة. هذا ينطبق بشكل خاص على رواد الأعمال، الذين تُعد إمكاناتهم الاستثمارية وعلاقاتهم أمرًا أساسيًا لنجاح أعمالهم التجارية.
دور الحظ
لذا فإن الذكاء والتعليم والحالة السيسيواقتصادية [23] جميعها تؤثر في دخل الفرد. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تكون هذه العوامل وحدها هي السبب في التفاوت بين الأفراد من ناحية الثروة. في الواقع تشير دراسة نشرت في 2018 إلى أن الحظ له تأثير كبير[25] . هذه الدراسة سلطت الضوء على أن التوزيع الإحصائي «الاحتمالي» للثروة يختلف عن التوزيع الاحتمالي للذكاء. ”التوزيع الاحتمالي للذكاء هو توزيع احتمالي طبيعي «التوزيع الغاوسي [26] “، حيث ذكاء معظم الناس يتراوح قريبًا من متوسط قوس التوزيع distribution curve. وعلى النقيض من ذلك، الثروة تقتفي ”قوس توزيع باريتو الاحتمالي [27] 0“ وهو الصيغة التي تُثْبت أن 80٪ من ثروة أي دولة تقع في أيدي 20٪ فقط من سكانها.
الذكاء مقابل توزيع الثروة
توزيع الذكاء الاحتمالي «القوس في الجهة اليسرى» والثروة «القوس في الجهة اليمنى؛ القيم حسب المقياس اللوغاريتمي». البيانات ليست حقيقية وإنما فقط مجاكاة بغراض العرض.
هذا يعني أن الفكر «الفطنة أو الذكاء[28] » وحده لا يمكن أن يفسر التفاوت غير المتكافئ بين الأغنياء والفقراء في مجتمعنا.
هذه الدراسة لا تقلل من دور الذكاء «أو الموهبة بشكل عام». القدرة الفكرية الجيدة تحسِّن من فرص الثراء. إلَّا أن الذكاء لا يضمن الثراء «أي لا يضمن أن يصبح الفرد ثريًا». علاوة على ذلك، سلسلة من الأحداث المقترنة بالحظ قد تجعل من أفراد عاديين أصحاب ثروة. أي عندما يتعلق الأمر بالثراء، فإن الذكاء ليس كافياً ولا ضرورياً. لكنه عامل مساعد.
تقول شخصية كريس ويلتون Chris Wilton «جوناثان ريس مايرز Jonathan Rhy» في فيلم ماتش بوينن Match Point لـ وودي ألين Woody Allen: ”أفضِّل أن أكون محظوظًا على أن أكون ذكيًا“. وفي ضوء القرائن التي استعرضناها للتو، فقد تكون هذه الشخصية محقة في هذا الادعاء.
أن تكون مولودًا في عائلة ثرية ومتعلمة تعليماً عالياً تعتبر ضربة حظ. وبالمثل، فإن ضربات الحظ العشوائية «مثل الفوز في اليانصيب» لا تأتي من عمل شاق أمضى فيه الشخص سنوات عمره. فقد نزعم بما يتجاوز ذلك ونستنتج أن الذكاء هو شكل من أشكال الحظ بحد ذاته.
العديد من العوامل التي تصب في تحقيق النجاح المالي هي عوامل خارجة عن إرادتنا. معظم الأثرياء، إن لم يكن جميعهم، قد لعب الحظ دورًا في حياتهم بطريقة ما. في المقلب الآخر، فإن تحقيق أقصى استفادة مما يجلبه لنا الحظ هو أمر مهم بالتأكيد.
بغض النظر، فإن العديد من الثروات الصغيرة والكبيرة تنجم من التوظيف الذكي للموارد التي حظينا بها - سواء أكانت فكرية أو تعليمية أو سيسواقتصادية[23] .
