مسارات الهيمنة
ممارسة الهيمنة على المحيط القريب، تنطلق من قناعات مختلفة ومتعددة، فبعضها مرتبط بالقواعد والأنظمة الصارمة لضبط السلوك الاجتماعي، والبعض الآخر ناجم عن محاولة البروز بطريقة غير أخلاقية، وبالتالي فإن النظرة تجاه ممارسة الهيمنة تختلف تبعا للمبررات والدوافع، فإذا كانت ذات منطلقات منطقية وأخلاقية، فإنها ستجد المساندة والتأييد من لدن المحيط القريب، للحفاظ على المركب الاجتماعي من الغرق، بينما ستكون المعارضة والرفض الشعار المرفوع من لدن الجميع، نظرا لوجود أغراض شخصية وغايات غير مفهومة، من وراء استخدام الهيمنة على المحيط القريب، الأمر الذي يتمثل العمل على الخروج من سلطنة الهيمنة غير الأخلاقية.
ضبط السلوك الاجتماعي، والعمل على تحديد مسارات أخلاقية، وكذلك توظيف المبادئ الإنسانية، للارتقاء بالممارسات الخارجية، مبررات منطقية لفرض الهيمنة على السلوك العام، خصوصا وأن انفراط عقد السلوك الاجتماعي، يدخل العديد من الفئات الاجتماعية في مسالك مظلمة، الأمر الذي يترك العديد من التداعيات ذات الأثر على المنظومة الأخلاقية لدى الأفراد، وبالتالي فإن خلق البيئة المثالية لضبط إيقاع السلوك الاجتماعي، تتطلب وضع الإطار التنظيمي الجامع، من أجل الخروج بمفاهيم قادرة على توحيد الرؤى، والمبادئ لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، بمعنى آخر، فإن الهيمنة ”المنضبطة“ قادرة على الارتقاء بالسلوك الاجتماعي، بما يخدم المصالح المشتركة في نهاية المطاف.
القدرة على الإقناع عملية أساسية، في إرساء قواعد مشتركة للسلوك الاجتماعي، فغياب اللغة المشتركة في مساعي الهيمنة بالطريقة الإيجابية، ينعكس بشكل سلبي على كافة التحركات الساعية لرسم ملامح سلوك الوسط الاجتماعي، خصوصا وأن سياسة الإجبار ليست قادرة على خلق المناخ الإيجابي في عملية ”الهيمنة“، نظرا لوجود مخاوف متعددة تجاه هذه الممارسات، مما ينعكس على طريقة التعاطي مع تلك التحركات غير المفهومة، وبالتالي فإن محاولة انتزاع الموافقة من لدن البيئة الاجتماعية، ستواجه بمزيد من الرفض، والعمل على تعطيل تلك الحركة بمختلف الوسائل، الأمر الذي يستدعي وضع آليات قادرة على تقريب وجهات النظر، والابتعاد عن التعامل الفوقي في التعاطي مع مختلف الشرائح الاجتماعية، نظرا للآثار السلبية الناجمة عن السلوك المتعالي، على طبيعة العلاقة مع البيئة الاجتماعية.
التحرك باتجاه فرض الهيمنة على البيئة الاجتماعية، لتحقيق مآرب خاصة أو السعي وراء تسجيل نقاط على حساب المجتمع، تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، سواء على الصعيد الفردي أو الجمعي، فممارسة الهيمنة دون وجود قاعدة شعبية بمثابة ”طاحونة الهواء“، إذ من الصعب ترجمة تلك الهيمنة على الأرض دون إمكانات، ووجود فريق يعمل على رسم مسارات الهيمنة على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فإن مستقبل الهيمنة الفردية محفوف بالمخاطر في الغالب، نظرا لصعوبة السير في الطريق حتى النهاية، جراء الافتقار إلى القاعدة الشعبية المساندة، مما يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع المجتمع، بالإضافة لذلك فإن الهيمنة الفردية تحمل العديد من التحديات على الصعيد الاجتماعي، فالبيئة الاجتماعية ستتعامل بحذر مع هذه السلوكيات، نظرا لعدم وجود القناعات، والمبررات الداعمة للوقوف خلفها، مما ينعكس على الزخم الاجتماعي تجاه هذه الممارسات، وبالتالي فإن الصدامات المتعددة تخلف بعض المشاكل على الصعيد الداخلي.
نجاح بعض التجارب الفردية في ممارسة الهيمنة على البيئة الاجتماعية، ليست مدعاة للتفاخر أو الاستمرار في هذه السلوكيات غير المنضبطة، انطلاقا من مبدأ ”لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين“، الأمر الذي يستدعي وضع الأمور في المسارات السليمة، من خلال التعاطي مع المجتمع بمسؤولية، وعدم تغليب الغايات الخاصة على المصالح الاجتماعية، نظرا لخطورة استخدام المصالح الشخصية، على طبيعة العلاقة مع البيئة الاجتماعية، مما يترجم بحالة الخصام العلنية، نتيجة اكتشاف الغايات الخاصة، وتسخير الإمكانات في سبيل تحقيق بعض الأهداف الخاصة.
الهيمنة على الساحة الاجتماعية، سلاح قادر على الارتقاء بالسلوك العام تارة، ووسيلة للصعود على الأكتاف تارة أخرى.