آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

عبدالكريم آل زرع كريم الخلق وزارع الخير

عبد الباري الدخيل *

تتزاحم عناصر التميّز في شخصية الشيخ عبدالكريم آل زرع، فيحتار الكاتب أيها يتناول؟

وعلى أي منها يسلط ضوء قلمه؟

ربطتني بالشيخ الأستاذ أبوعلي علاقة قديمة، فهو نجم تلاحقه العيون أين ذهب، فلم تكن تخلو منه أمسية شعرية، ولا حفل تأبين لعالم أو شخصية، وكانت الاحتفالات تتزين بوجوده بل كان من أوائل من أقامها في جزيرة تاروت.

أظن وليس كل الظن إثم أن أكثر ما يميز الشيخ آل زرع هو علمه الجم، وخلقه القويم، وأشدهما سطوعًا هو العروض والتواضع.

يعتبر التواضع شجرة تتفرع منها كل أنواع مكارم الأخلاق، فالله تعالى يأمر بالتواضع ويحب المتواضعين، يقول تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ .

ويقول الإمام علي : «عَلَيْكَ بِالتَّوَاضُعِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ اَلْعِبَادَةِ».

والعالم الحقيقي هو الذي يرتدي ثوب التواضع، فكلما ارتفع في علمه تواضع، وهذا ما تؤكده الرواية الواردة عن رسول الله ﷺ: «مَنْ طَلَبَ اَلْعِلْمَ لِلَّهِ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ بَاباً إِلاَّ اِزْدَادَ فِي نَفْسِهِ ذُلاًّ، وَفِي اَلنَّاسِ تَوَاضُعاً، وَلِلَّهِ خَوْفاً، وَفِي اَلدِّينِ اِجْتِهَاداً، وَذَلِكَ اَلَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْعِلْمِ».

ويقول الإمام علي : «اَلتَّوَاضُعُ ثَمَرَةُ اَلْعِلْمِ».

ونحن نقرأ مع الإمام زين العابدين قوله في دعاء مكارم الأخلاق: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلاَّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا».

ومن تواضع الشيخ آل زرع حضوره في كل المحافل دون أي حواجز، ومشاركته في الاحتفالات بلا مزاحمة، بل كان في بعض الاحتفالات التي يقيمها يجلس عند الباب مستقبلًا الضيوف بكل أريحية وحب.

وهنا أرجع لعلاقتي الشخصية بالشيخ أبي علي فقد طلبت منه درس في العروض مع الصديقين حسين وعبدالله المحاسنة، وكان وقتنا مزدحم لأنني كنت أعمل في الرياض والأخوين يدرسان هناك أيضا، فما كان منه إلا أن أفرد لنا ليلة الجمعة ليكون لنا درس خاص، يجلس معنا كأحدنا، وينثر علينا من علمه بلا حواجز، ولا تجد أي إحساس بأنك طالب تجلس بين يدي مدرس، بل أنت صديق تجلس في حديث شيق تتبادل فيه الأحاديث الودية والمعلومات بلا تكلف.

وكنت أعرض عليه بعض ما أكتب، كما أجد من يفعل ذلك معه أيضًا في مناسبات عدة، فيصحّح ويقوّم بحبّ، ويرشد ويوجه بأدب جمّ، فما تخرج من عنده إلا وتعرف أين الخلل، وكيف تصلحه، وما هو الطريق الأنسب لعدم السقوط فيه مستقبلًا.

ومن خلقه الطيب ما عرف به وقد سمعته منه مرارًا «الشاعر محايد»، وكان لهذه القاعدة أثر كبير في كسر الحواجز في زمن صعب، تكسرت النصال فيه على النصال، وتمزق المجتمع فيه إلى فئات وجماعات، فكان يشارك في كل احتفال أو منتدى يدعى له وشعاره «الشاعر محايد».

وللأسف من تواضع الأستاذ لم يهتم بجمع شتات كثير من شعره، فضاع ما ضاع، ونسي ما نسي، فلله الأمر وبه المستعان.