قانون الكولا
في حادثة طريفة في أحد المطاعم، دخل شاب ليطلب وجبة طعام وفي نهاية الطلب قال للمحاسب: أضف إلى الطلب علبة بيبسي، ثم رجع خطوتين قليلا وعاد مترددا وطلب من المحاسب استبدال علبة البيبسي بعلبة السفن أب، فلم يحرك المحاسب ساكنا، فأعاد الزبون طلبه من المحاسب متذمرا، فأجابه المحاسب بقوله: طيب، وأخذ يستقبل طلبات أخرى، فاستشاط الزبون غضبا وصرخ قائلا: طلبت منك تغيير البيبسي مرتين وأنت تتجاهل الأمر.
المحاسب: البيبسي مثل السفن.
الزيون: كيف مثله لا طبعا أنا ما ابي بيبسي ابي سفن أب مو على كيفك تشربني.
المحاسب: يا حبيبي البيبسي والسفن نفس السعر بنعطيك اللي تبيه ما يحتاج نغير الفاتورة.
هذا ما يحدث كثيرا في اختلافاتنا فالبعض منا ينظر للموضوع المختلف عليه بنظرة المحاسب المادية وهي نظرة صحيحة لا يمكن له تغييرها بسبب أو بآخر فالسلعتين لهما نفس السعر، والبعض الآخر ينظر للموضوع المختلف عليه نظرة الزبون فلكل سلعة طعم يختلف عن الآخر وهي مسألة تعتمد على الذوق وعي صحيحة أيضا، وهنا بكل بساطة الأمر لا يمثل اختلافا بمعنى اختلاف ولكن لعدم فهم الطرف الآخر تحول الاختلاف إلى خلاف وهو بالأصل موضوع يعتمد على تقييم كل فرد لأهمية الأمر وقراءته له.
لكن ماذا سيحدث لو عكسنا حادثة الكولا بين الزبون والمحاسب وافترضنا أن المحاسب طلب من الزبون أن يشرب السفن أب بدلا من البيبسي والزبون رفض ذلك وتحول بينهما إلى خلاف وشجار، بطبيعة الحال لن يتنازل الزبون عن رأيه لأنه من سيدفع الثمن وهنا لا يتعلق الأمر بالقراءة أو فهم الموضوع إنما هي مسألة ذوق لدى الزبون ومسألة تدخل من المحاسب لأهداف معينة لربما مصلحة مادية لعدم توفر المنتج أو أسباب شخصية وغيرها، منشأ هذا النوع من الاختلاف هو الذي لا يوجد له حل وسط برأيي لأنه دوافعه شخصية قائمة على تقديم مصلحة فرد على آخر وعلى حساب الآخرين، لذا فإن محاولة غصب الآخرين على قبول أفكارك هي تدخل في شؤونهم وإقصاء لذوقهم وحاجاتهم، فالنظر للأمر من زاوية السعر فقط هو تجني على الطرف الآخر الذي ينظر للأمر من زاوية الطعم والذوق، كما هو في الكولا.
بالنتيجة يحدث دائما أن تختلف الناس على موضوعات معينة منطلق هذا الاختلاف ناتج عن خلفية الشخص الثقافية والتركيبة الاجتماعية والبيئة وصولا للتحصيل العلمي للفرد وقراءته الشخصية للموضوع ومن ثم تقييمه، وعادة ما تعطي الاختلافات الموضوعية نسقا جميلا في محاولة فهم الآخرين وتطلعاتهم إذا لم تتخطى حدود الموضوع المختلف عليه وربما تتحول لصدامات وجدل عند محاولة جر النار للقرص، وعليه ليست المشكلة في الاختلاف على فهم موضوع معين بل بالقبول بالنتائج والوقوف عند نقطة الاختلاف إن لم يوجد تقارب في الموضوع.
وعليه فإن الاختلاف في قضية ما أو مشروع ما أو فكرة ما أمر صحي ما لم يتحول الاختلاف إلى خلاف، ولو أمكننا إعادة النظر في كثير من اختلافاتنا لوجدنا أن أغلبها اختلافات شكلية يمكن تجاوزها أو التعايش معها دون عقبات تذكر، فكل طرف يأخذ بعين الاعتبار ما يهمه في الموضوع أو الفكرة وكثير من الفكر والموضوعات تحمل وجوه عدة، لذا أيضا فإن كثيراً من القراءات الشخصية للأطراف المختلفة هي صحيحة فعلا ولا يمكن تغليب طرف على آخر ولو تجردت الأطراف من بعض التعصب للرأي لوجدت أن الرأي الآخر هو صواب أيضا وأن اختلافهما شكلي فقط لا يمثل أهمية وهذا ما أسميه هنا قانون الكولا.