آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

ثقافة الاحتفاء

محمد أحمد التاروتي *

غرس الاحتفاء بالشخصيات الاجتماعية على اختلافها، عملية ضرورية لإظهار التقدير والامتنان، للعطاء الكبير المقدم من تلك الشخصيات، خصوصا وأن التجاهل يولد بعض الحسرة في نفوس تلك الشخصيات، نظرا لعدم مقابلة التفاني والتضحية بشيء من التقدير، وبالتالي فإن إرساء ثقافة الاحتفاء في البيئة الاجتماعية، يولد حالة من الرضا لدى الشخصيات الاجتماعية من جانب، ويكشف الاهتمام من لدن المجتمع بالدور الذي لعبته تلك الشخصيات، من أدوار متعددة طوال السنوات الماضية من جانب آخر.

إظهار الاحتفاء يتمثل في العديد من الممارسات، والأعمال الخارجية، فتارة يكون عبر الاحتفالات الرسمية بهدف تكريم الشخصيات الفاعلة في البيئة الاجتماعية، وتارة أخرى يتم بواسطة إطلاق أسماء تلك الشخصيات على المواقع والطرقات في المجتمع، وتارة ثالثة يترجم الاحتفاء عبر تنظيم ندوات ومحاضرات، لتناول الأدوار التي لعبتها تلك الشخصيات، وساهمت في الارتقاء بالمجتمع، من خلال توظيف المعرفة والكلمة في سبيل طرد التخلف من العقول، وكذلك العمل على تقديم الكثير من الخدمات على الصعيد الاجتماعي، عبر بذل الوقت والمال على حد سواء.

إرساء ثقافة الاحتفاء عملية أساسية، لتكريس ”رد الجميل“ لدى الأجيال الناشئة، فهذه الثقافة تتسرب بشكل تدريجي في العقول، بحيث تتجسد في مختلف الممارسات اليومية، وكذلك في المحافل الاجتماعية، خصوصا وأن الأجيال الناشئة تأخذ جزءا من ثقافتها من الأجيال السابقة، فإذا كانت الثقافة الاجتماعية تتسم بالجحود والنكران، تجاه الشخصيات الفاعلة بالمجتمع، فإن الأجيال القادمة ستتأثر بهذه الثقافة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فيما ستكون ثقافة الاحتفاء الحاكمة في الممارسات الاجتماعية، تجاه الشخصيات الفاعلة، نظرا لوجود التقدير والامتنان من لدن مختلف الأجيال الاجتماعية، تجاه الشخصيات المهمة، والتي ساهمت في صنع الكثير من الإنجازات على اختلافها.

التعاطي الإيجابي مع ثقافة الاحتفاء، يكشف مستوى الوعي لدى البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن النظرة تجاه الاحتفاء تختلف من شريحة لأخرى، حيث تلعب الأمراض النفسية والخلافات الشخصية دورا، في اتخاذ المواقف المعارضة تجاه الاحتفاء ببعض الشخصيات الاجتماعية، الأمر الذي يتجلى في تسخيف المبادرات الخاصة بتخصيص أحد المواقع لتكريم الشخصيات الاجتماعية، وبالتالي فإن ثقافة الاحتفاء قادرة على كشف الكثير من الحساسيات، والمواقف تجاه الشخصيات الاجتماعية، التي صنعت لنفسها تاريخا ملموسا في الواقع الاجتماعي، بمعنى آخر، فإن تجنب المواقف ”المعارضة“ للاحتفاء بالشخصيات الاجتماعية، يعزز النظرة الإيجابية لدى الفئات الاجتماعية، الأمر الذي يرسي قواعد هذه الثقافة لدى مختلف الشرائح بالمجتمع، بحيث تصبح جزءا من الممارسات اليومية في العقل الجمعي.

اختلاف مستوى ثقافة الاحتفاء في البيئات الاجتماعية، يجسد تفاوت الاهتمام بالشخصيات الاجتماعية، فهناك مجتمعات حريصة على إظهار الاحترام بالشخصيات الفاعلة، من خلال تسليط الإعلام عليها، والعمل على الاستفادة من خبراتها، وكذلك ارتفاع مستوى الإيمان بقدرة هذه الشخصيات على العطاء، الأمر الذي يستدعي التحرك باتجاه الاحتفاء بهذه الشخصيات كمبادرة لرد ”الجميل“، خصوصا وأن التجاهل وعدم التقدير يضر البيئة الاجتماعية، ويحرمها من تفجير الطاقات، جراء عزوف الكفاءات من التحرك لتقديم الخدمات المتعددة، نظرا لاختفاء الاهتمام من لدن البيئة الاجتماعية بالجهود المقدمة، في مختلف المجالات.

خلق الأرضية المناسبة لتعزيز ثقافة الاحتفاء في البيئة الاجتماعية، أحد العناصر الأساسية لاستمرارية العطاء لدى مختلف الأجيال، فالبيئة الطاردة للطاقات والكفاءات على اختلافها، ليست قادرة على إظهار الاحتفاء في المجتمع، حيث تعمد الشخصيات الاجتماعية على الانزواء على الذات، وعدم توظيف القدرات والإمكانات، في سبيل الارتقاء بالبيئة الاجتماعية، نظرا لانعدام الأرض الخصبة المحفزة، لتوليد المزيد من الكفاءات على الصعيد الاجتماعي.

تبقى ثقافة الاحتفاء إحدى الممارسات الاجتماعية، ذات الأثر الكبير لدى الأجيال القادمة، فضلا عن كونها انعكاسا لمستوى الوعي لدى المجتمع، تجاه الشخصيات الفاعلة، وبالتالي فإن هذه الثقافة قادرة على إحداث تحولات في طبيعة التفكير، تجاه العديد من الشخصيات الناجحة، من خلال تسجيل أسمائها في التاريخ الاجتماعي.

كاتب صحفي