العودة إلى المستقبل
أصداء أخبار الجاليات الشرقية والمسلمة في الدول الإسكندنافية أصبحت تتصدر نشرات الأخبار. أغلب الأخبار التي تردنا من هناك هي أخبار موجعة وتشمل:
1 - أخبار إغلاق مساجد و
2 - أخبار إغلاق مدارس إسلامية معتدلة وغير معتدلة و
3 - أخبار نزع أطفال من أسرهم ”أنصح بمشاهدة فيلم قصة حقيقية بعنوان Mrs Chatterjee Vs. Norway“ و
4 - أخبار إسقاط حق الحضانة من الأبوين قسرا و
5 - أخبار إقصاء كوادر من مراكز إسلامية
6 - أخبار حرق القرآن الكريم وتمزيقه على نحو مستفز ومجاهرة بالتحدي.
ولكون معظم الأخبار تردنا عبر الشاشة الفضية، فإننا نحاول أن نفسر ما يحدث في السويد وغيرها من الدول الأجنبية للاستفادة من التجربة وتفادي مكامن التصادم الحضاري واستقراء المستقبل وتمحيص الصديق من الغير صديق وتمحيص التضليل من التعزيز عند الذهاب لدولة أخرى.
في العموم، قد ترى تقريراً تلفزيونياً - ريبورتاج - يطرح موضوع بطريقة التشنيع والتحريض والتهكم على أبناء جلدتك، أو قوميتك أو أبناء بلدك ممن هاجر أو تسيح هنالك. ويأتي ذلك التقرير بمناسبة تراشق إعلامي بين قوميتين احداهما الاكثرية أو ضمن برامج حملات انتخابية دعائية في دول المهجر لكسب أكبر عدد من أصوات المنتخبين، أو في سياق التعميم أو المناكفة الاستفزازية بين تيارات يمينية ويسارية علً حساب الأقليات. وحينذاك قد تكف لسانك عن خوض أي جدال وتنأى بنفسك عن المهاترات لكون الأدلة المقدمة بها ما بها من دلالات وبراهين معضدة لرأي معد التقرير، ولكون الموضوع ليس ذا أهمية عقدية أو وطنية أو أمنية اجتماعية. إلا أنك قد ترى بين الحين والحين الآخر تقريراً كاملاً معداً بطريقة احترافية وموجه ضد فكرة إسلامية مستنطقة من القرآن الكريم كالتوحيد أو النبوة أو العفة والطهارة والستر والحجاب والحث على تحصين الأعراض من الرذيلة وحفظ المجتمع من البغاء والابتعاد عن مواطن الفسوق. فكرة حفظ النفس بالعفة وتحصين الفروج بالزواج ”الرجل من المرأة“ فكرة إنسانية نبيلة وتكاملية ومتجذرة، وجاء دين الإسلام كما الشرائع السماوية السابقة، وعزز قيمتها ورغب لها، وأكد عليها وطرح عدة معالجات لضمان حفظ اتباعه من الوقوع في حمأ الرذيلة. وأخذ دين الإسلام في الاعتبار كامل تنوع الطيف الاقتصادي والصحي والنفسي والاجتماعي لوضع الإنسان كل الإنسان، سواء كان فقيراً أو غنياً، قوياً أو ضعيفاً، مريضاً أو معافى، مسافراً أو حاضراً، طالباً أو موظف، شاب أو عجوز، ذكر أو أنثى … إلخ. وقد يكون طرح تقرير تلفزيوني احترافي، وبثه عبر قنوات فضائية تلفزيونية مؤدلجة يأتي في سياق صراع الحضارات، أو في سياق صراع الأيدلوجيات، أو في سياق صراع الحق مع الباطل أو سياق السيطرة والتحكم أو سياق تلويث الفطرة السليمة.
من جميل خواص الإسلام بكل مدارسه الفكرية والفقهية هو تعدد طرح البلاسم من كل مدرسة فقهية لمشاكل الحياة وإدارة النفس وتمكين الاستقامة. ولعل البلسم الشافي والأنجع في مجال تهذيب الغريزة الجنسية هو الزواج الدائم لحفظ أبناء المجتمع من الزلل ومنع الوقوع في مستنقع الرذيلة، ويلبي هدف تكوين الأسرة وحفظ النفس من الزلل وامتداد النسل البشري وتحصين البشر من أمراض السفلس والإيدز والهربس. ومن ضمن تلكم البلاسم هناك بلاسم عدة لسد احتياجات زمكانية مؤقتة مثل الزواج العابر ”مسيار / مطيار / …الخ“ أو المنقطع ”المتعة المحددة زمنيا“ مراعاة ظروف استثنائية عصرية ومستحدثة. وإن اختلفت المدارس الإسلامية في مبانيها الفقهية، إلا أن الهدف الأساس المنشود هو تأطير العلاقة بين الرجل والمرأة لتكون علاقة نظيفة ومُلزِمة وطاهرة، وتصون المجتمع من الإباحية والسفاسف بكل أصنافها، وتحجب تولد الأطفال اللقطاء، وتكبح السعار الجنسي، وتهذب الأنفس وتحفظ الحقوق لطرفي العقد. والالتزام في العقود أي عقود أصله التزام أخلاقي، وإن أساء استخدام مبان عقود النكاح، فهذا ينم عدم وجود الصدق وخيانة الأمانة من الطرف المخل بالعقد، ومنها عقد النكاح بكل أنواعه.
في شهر شوال للعام المنصرم 1443، شاركنا في إحدى القروبات الافتراضية أحد الأعضاء، جزاه الله خيرا، تقرير يتحدث عن اتهام السلطة في دولة السويد لبعض أعضاء مركز إسلامي بانخراطهم في التنسيق لتزويج الشباب العزاب والمهاجرين والفتيات الأرامل والمطلقات لمنع الوقوع في خطيئة الرذيلة عن طريق عقد تفاهمات بإجراء عقود زواج مؤقتة برضا الطرفين. وهذا تفسيرا أوردته من باب حسن الظن بالآخرين من المسلمين، ولا أعلم حسن أو سوء نية من كان في ذلك المركز بذلك البلد الإسكندنافي ككل أو كبعض أعضائه في وسط بلاد عُرفت بالحرية الجنسية العلنية وإجازة الإباحية التامة. أمر محير أن يُتهم شخصا ما أو بضع أشخاص بترويج الرذيلة أو الاتجار بها في بلد لا ترى أي عيب أو محظور في ممارسة نكاح الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة والرجل بالطفل وما هو أشنع، وفي الشارع العام!!. ولكن القدر المعلوم هو أن الشريعة الإسلامية الغراء لديها حلول ومعالجات لهكذا تهديدات على أخلاقيات اتباعه قد ترد من باب الإباحية أو الإغواء أو الابتذال. ولعل من الجيد هنا أن نسلط بعض الضوء على سقف الحرية الجسدية المعمول بها في بعض الدول الإسكندنافية ”الدنمارك، النرويج، السويد“ ومنطقة Benelux وهي دول الغرب الأوربي هولندا وبلجيكا ولكسمبورج، وكم هو محزن ما آلت إليه أحوال المتاجرة في جسد المرأة والطفل. ولعل الفيلم الوثائقي الأحدث في هذا المضمار هو.
What Is a Woman ?
تنصل: في ذلك الفيلم الوثائقي أتنصل من جرأة الطرح وتسمية الأشياء بمسمياتها وورود صور قد تكون مزعجة للبعض.
وهناك عدة وثائقيات تلفزيونية وبرامج نقاش عدة، وأكتفي بالإشارة إلى بعض مصادرها اختصارا، يجدها الباحث في قنوات DW و24 France وBBC وRTL وCBC … الخ.
ما جعلني أكتب هذا المقال هو اشتعال حدة الجدال داخل نسيج بعض بيوت الأقليات المسلمة والمسيحية المتدينة في الدول الإسكندنافية وغيرها من أهل الغيرة والحشمة لحفظ اتباع الدين الإسلامي والمسيحي الملتزمين. واحتدام الصراع بين بعض التيارات العلمانية والدينية في ذات النسيج المذهبي أو القومي أو القطري، وتهكم وتشمت صادر من بعض أتباع الطوائف الأخرى ضد أتباع وأصحاب المركز المشار إليه والمنكوب. محاولة مني لقراءة كامل المشهد بنظرة موضوعية منصفة وتحليل أبعاد ذلك على أبناء الأقليات في بعض دول المهجر من ذوي الخلفيات الثقافية المغايرة للبلد المحتضن لهم حاليا، وفي المستقبل وحقيقة مفهوم التنوع Diversification والاندماج Integration ومفهوم Equality بين مختلف الجندر من منظور بعض المكونات الاجتماعية داخل بعض الدول الأجنبية في أدبيات تيار اليمين وتيار اليسار هنالك، لاسيما الدول الغربية.
بات معلوما بالضرورة أنه ومع تعدد وتكاثر النزاعات في منطقة الشرق الأوسط على مدى الثمانين عام الماضية، ارتحل عدد ليس بالقليل من أبناء العرب والمسلمين لعدة دول أجنبية رفعت لافتة حفظ حقوق الإنسان وكرامته، وهذا شي جدا جميل، ويُثنى عليه ويُقدر. واستقر عدد ليس بالقليل من أبناء الشرق الأوسط وأغلبيتهم مسلمون في الدول الإسكندنافية والقارة الأوروبية وخصوصا المملكة المتحدة والقارة الأمريكية الشمالية والجنوبية. في أوربا والشمال الأمريكي حديثا يسجل العالم بزوغ حزمة قوانين تشرع وتحمي ثورة جنسية عارمة تحت لافتة وشعار ضمان الحقوق الشخصية والحرية الفردية. فانطلق الشذوذ وعمليات تحول الجندر وعدم تجريم مضاجعة الأطفال وإدراج رياضة ممارسة الجنس العلني كرياضة تنافسية وإطلاق العنان للإشباع الغرائزي العلني في الأماكن العامة كمنتزه عام!!!
وشكل هذا التباين في الأفكار والقيم بين المهاجرين المحافظين واليسار الليبرالي المتطرف ميدان ساخن للتراشق تارة يستغله اليمين المتطرف للتشنيع بالحجاب، وطلب التشدد في سن قوانين استقبال المهاجرين وتارة أخرى ينظم التيار المحافظ في ذلك البلد، إن وجد تيار محافظ، مع المسلمين المحافظين لتمجيد الأخلاق والبناء الأسرى وتارة يتخذ بعض أبناء العرب المتنمرين على مجتمعاتهم العربية مطية الاضطهاد الجنسي في بلده الأم لطلب حق اللجوء لتلك الدول الغربية. ويكون الوضع شرباكة في شرباكة بسبب سوء استغلال شعار الحرية الجنسية والحقوق. وكل يدعي وصلا بالحقوق والحقوق أضحت مطية للأغلب إلا ما رحم ربي. ولعل من الجيد ذكره هو أن فيلم التجربة الدنماركية بطولة عادل إمام سلط بعض الضوء بقوالب كوميدية لما آل إليه الحال في مدارس الدانمارك من حرية جنسية.
يبدو أن حرب ضبط العلاقات المشروعة بين الرجل - المرأة هي الحرب الأخيرة والأشرس بين بعض البرلمانات والدول التي تبنت قوانين الشذوذ والتحول الجنسي وتعدد الجندر والبيدوفيليا ”متعددي الجنس“ وبين أبناء الديانات الملتزمين من المسلمين والمسيحين والأسر المحافظة حول العالم للدفاع عن مفهوم الجنسين ”الذكر والأنثى“ والبناء الأسرى المعروف. وفي حالة كسب هذه الجولة أصحاب فكر تعدد الجنس، فإن البشرية في بقاع متعددة ستدخل في نفق مظلم، وتتحطم حينذاك حصون الأسرة التقليدية. ونهمس في أذن الصادقين والأوفياء للقيم بالقول إن ضبط النفس والسلوك هما ركيزتان لتجاوز ترصد أهل الشر واتباع الشيطان وحبالهم وعدم اليأس في محاولة إصلاحهم وإرجاعهم إلى رشدهم وفطرتهم السليمة. الله يراقبنا حيثما كنا، فقبل أن نخشى مراقبة بني البشر في الغرب أو الشرق، على جميع من يشتغل في مراكز دينية أو أخلاقية أو صحية أو تعليمية وجوب الالتزام بالانضباط المهني والأخلاقي والابتعاد عن مواقع الشبهة وكلمات الايحاء واستدراج الفاتنات وفخاخ الإغواء. ومن المفترض أن يزيد مستوى ذلك الانضباط عند وجود الإنسان في ديار غربة ”يا غريب كن أديب“ حيث اختلاف الثقافة وكثرة سماسرة الإعلام المُشيطن وتفنن الاختراق لعمل سبق صحفي، وتعمد تشويه السمعة بفنون علم الكلام وعدم الاكتراث لمفاهيم مجاميع الأقليات وتوظيف نشرات الجرائد الصفراء للتكسب أو التشويه أو تعميق جذوة مفهوم الإسلاموفوبيا.
والطبيعة الإنسانية البشرية مختلفة: هناك نفس منضبط وهناك نفس شبه منضبط وهناك نفس منحلة مغلفة بالانضباط وهناك أنفس تجيد اللعب بالبيض والحجر ”منافقون“ وهناك أنفس تقية ورعة فطنة. ويبدو لي أن بعض المراكز الدينية والتعليمية والصحية يندس فيها منتحلي التقوى، وليسو بأهلها فيقعون في المحظور، ويشوهوا بأفعالهم سمعة المكان الذي ينتسبون إليه والعرق الذي يشار إليهم به. وعليه لا بد من حسن انتقاء وتنقية ومراجعة دورية لكامل ملفات الاشخاص القيميين على أي مؤسسة ربحية أو غير ربحية في الشرق والغرب لتأكد من الالتزام بقواعد مهنية وأخلاقية تنم عن روح المسؤولية.
ملحوظة: عنوان المقالة مستوحى من فيلم Back to the future وهي فكرة الرجوع إلى الماضي عبر ساعة الزمن الافتراضية لتغيير أحداث في الماضي بهدف تفادي مشاكل حالية.