الفرد أو المجتمع؟
هل الفرد يقود المجتمع أم المجتمع يقود الفرد؟
جدلية قائمة بخصوص مدى تأثير الفرد على الصعيد الاجتماعي، وقدرة المجتمع على توجيه الفرد في الاتجاهات المختلفة، فالاختلاف يكمن في طريقة النظرة إلى الدور المحوري، لكل من الفرد والمجتمع على مختلف الأصعدة، خصوصا وأن عملية الاتفاق على صيغة موحدة من الصعبة بمكان، انطلاقا من القناعات المتعددة التي ينطلق منها أنصار كل فريق، بخصوص التأثير لكل من الفرد والمجتمع في احتلال الموقع القيادي.
أنصار الدور القيادي للفرد ينطلقون من التجارب التاريخية في المجتمعات البشرية، فهذه الكيانات الإنسانية شهدت الكثير من الأحداث، التي ساهمت في الارتقاء بالفكري الإنساني، والبعض الآخر سودت وجه التاريخ، حيث شكل الفرد العنصر الأساس في توجيه تلك الأحداث، بمختلف المجتمعات البشرية، الأمر الذي يعزز الدور الذي يلعبه الفرد في صناعة الأحداث، والقدرة على قيادة البيئة الاجتماعية في الاتجاهات المتعددة.
فريق الدور القيادي للفرد، لا يجد للمجتمع أدوارا في التأثير على الفرد، فالمجتمع بمثابة وعاء لاستيعاب التحركات المتعددة للفرد، فإذا كانت ذات طبيعة أخلاقية وإنسانية، فإنها تظهر على الكثير من الممارسات الخارجية، لمختلف الشرائح الاجتماعية، بينما تكون الممارسات الشيطانية العنوان الأبرز، في حال اتسمت تحركات الفرد بالأعمال السيئة، فالتجارب الإنسانية تكشف مدى قدرة الفرد على تعطيل حركة المجتمع، من خلال وضع الكثير من العراقيل، في سبيل الارتقاء بمستوى التفكير، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على العلاقات الاجتماعية.
الصفات القيادية للفرد عنصر أساسي في قيادة المجتمع، فالفرد القيادي قادر على تحويل البيئة الاجتماعية ”الميتة“، إلى مجتمع نشط وحيوي، من خلال توجيه الأفراد بالطريقة المناسبة، الأمر الذي يعزز الاتجاه الذي يقوده أنصار فريق الدور القيادي للفرد، بمعنى آخر، فإن محاولات إعلاء شأن المجتمع على حساب الفرد، لا تجد مصداقية على أرض الواقع، في الكثير من التجارب الناجحة، للعديد من المجتمعات البشرية خلال المراحل السابقة.
بينما ينطلق أنصار الدور المحوري للمجتمع، في صناعة المجد والقدرة على تفجير الطاقات، للأفراد في مختلف المجالات الإنسانية والحياتية، خصوصا وأن البيئة الاجتماعية تمثل الأرض الخصبة القادرة، على استيعاب مختلف الطاقات للأفراد، الأمر الذي يتجلى في فتح المجال أمام الأفراد للتعبير عن الآراء، والعمل على توجيه الجميع في الاتجاهات المتعددة.
الفرد ليس قادرا على التحرك دون الغطاء الاجتماعي، فمهما بلغت قدرته على مقاومة الضغوط الخارجية، يبقى بحاجة إلى الدعم الاجتماعي للوقوف أمام تلك الضغوط الكثيرة، وبالتالي فإن رسم صورة مثالية وخارقة للفرد على حساب المجتمع، يشكل مبالغة كبرى، وإجحاف كبير بحق المجتمع، في القدرة على التأثير على الأفراد داخل البيئة الواحدة، خصوصا وأن هناك العديد من الممارسات الخاطئة تواجه بالمعارضة الشديدة من المجتمع، مما يضطر الفرد لتصويبها أو العدول عنها، في سبيل إرضاء البيئة الاجتماعية.
دور المجتمع في قيادة الأفراد تظهر في الكثير من الممارسات الخارجية، بحيث يضطر الفرد للاحتفاظ بالقناعات الخاصة تفاديا لردة الفعل الاجتماعية، لا سيما وأن إظهار تلك القناعات بمثابة انتحار، كونها تشكل صدمة كبرى للمجتمع، مما يستدعي التريث ومسايرة البيئة الاجتماعية، بهدف الحفاظ على المكانة الاجتماعية، والحيلولة دون الإقدام على ممارسات، تقود إلى ”الموت الاجتماعي“.
التفكير في الفرد على حساب المجتمع، عملية غير منطقية على الإطلاق، فالفرد غير قادر على السباحة في التيار المعاكس للمجتمع في الغالب، حيث يتحرك وفق المتطلبات السائدة في التفكير الاجتماعي، مما يعني قدرة المجتمع على قيادة الفرد في الكثير من الأعمال، بحيث لا تقتصر على الممارسات اليومية على الساحة الخارجية، ولكنها تخترق القناعات الخاصة للأفراد، فهناك الكثير من ”المحرمات“ التي يصعب ارتكابها، نتيجة ردود الأفعال المرتبطة بتجاوز الخطوط الحمراء، المرسومة في الممارسات الاجتماعية.
تبقى جدلية الدور القيادي للفرد أو للمجتمع، قائمة ومستمرة على الدوام، نظرا لوجود مصاديق عديدة تدعم كل طرف على حساب الطرف الآخر، مما يستدعي البحث العميق بعيدا عن التعصب لإنهاء هذه الجدلية، بما يضفي لحالة من التصالح بين الأطراف المختلفة بهذا الشأن.