التوجهات الاجتماعية
تلعب التيارات الفكرية الاجتماعية دورا في تشكيل العقلي الجمعي، فهذه التيارات تمتلك القدرة على إحداث بعض القناعات لدى الأفراد، مما يمهد الطريق لوضع الأسس الأولية لبناء القواعد الفكرية، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، خصوصا وأن التيارات الفكرية تنطلق من مرتكزات متعددة، بعضها يجد قبولا واسعا من لدن الفئات الاجتماعية، والبعض الآخر يواجه بعاصفة شديدة من المعارضة، مما يخلق حالة من التشابك الفكري، والانقسام لدى بعض النخب الاجتماعية، وبالتالي فإن محاولة كسر إرادة الأطراف الأخرى عبر تكريس بعض التيارات الفكرية، تمثل مغامرة خطرة وأحيانا غير صائبة، نظرا لوجود موانع ذاتية لدى الأفراد، تجاه المنطلقات الفكرية الداعمة لتلك التيارات الاجتماعية.
معاملة التيارات الفكرية بطريقة مساوية، أحد الأخطاء الجسيمة التي يحاول البعض تمريرها في البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن النضوج الفكري يتباين بين فئة وأخرى، مما يرجح كفة فكرية على أخرى، وبالتالي، فإن العمل على دراسة التجارب الفكرية بعيدا عن التعصب، والانجذاب غير المبرر، عملية أساسية لاستخلاص العبر، ومحاولة قراءة بيئة كل تيار بطريقة علمية، لا سيما وأن الضغوط الاجتماعية تلعب دورا كبيرا، في تحديد التوجهات الفكرية في بعض الأحيان، مما يجعل دراسة تلك التيارات بطريقة علمية صعبة أحيانا، بمعنى آخر، فإن التعامل بنظرة واحدة لمختلف التيارات الفكرية، ينم عن تشويش واضح في المنظومة العلمية، التي يحملها البعض تجاه العديد من التيارات الفكرية السائدة، خصوصا وأن التاريخ يلعب دوراً في الحصول على بعض الإجابات المتعلقة، بماهية تكوين تلك التيارات، وكذلك الظروف التي عاصرتها، مما ساهم في بروزها على السطح، ومزاحمة التيارات الأخرى، المتصارعة على الساحة الاجتماعية.
التحرك الواعي للتعاطي مع التيارات الفكرية في البيئة الاجتماعية، دلالة على ارتقاء مستوى النضج، والقدرة على التخلص من الضغوط الاجتماعية، لاسيما وأن المسبقات الفكرية الراسخة تعلب دورا محوريا، في اتخاذ المواقف تجاه العديد من التيارات الفكرية، فالعملية ليست مرهونة بالقدرة على تفكيك منطلقات تلك التيارات، والحصول على الإجابات للعديد من الأسئلة الحائرة، وإنما تكمن الصعوبة في خلق المناخ المناسب للتعاطي بطريقة واعية مع تلك التيارات، بحيث تبرز على أشكال بعضها تصالحي، والبعض الأخرى استيعابي، خصوصا وأن المواقف المتشنجة تقود إلى التصادم المباشر، والدخول في المعارك العدائية، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الانسجام الداخلي، وتكريس حالة الخصومة بشتى أنواعها.
الاختلاف الكبير في التيارات الفكرية بالبيئة الاجتماعية، لا يحمل في طياته التناحر والتشرذم في كثير من الأحيان، حيث يشكل الاختلاف مدخلا للوصول إلى النضوج الفكري، خصوصا وأن التيارات الفكرية تمثل اجتهادات ثقافية قابلة للنقاش، مما يعطي الفرصة لتشكيل العقل الجمعي في البيئة الاجتماعية، فالاختلافات فرصة للدخول في حالة المراجعة الدائمة، للكثير من المرتكزات، والقناعات المسبقة، لاسيما وأن الاجتهادات تمثل مرحلة نضج زمنية، ولكنها ليست كاملة بالمطلق، وبالتالي فإن محاولة تسخير الاختلاف بالشكل السلبي، لا يخدم تشكيل العقل الجمعي، بقدر ما يسهم في إدخال البيئة الاجتماعية في حالة انقسام وتصادم، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الحالة الفكرية، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية.
يصعب توظيف التيارات الفكرية بالطريقة المثالية، دون إيجاد الآليات والبيئة الخلاقة، فالتيارات الفكرية لا تعيش في بيئات غير قادرة على الاستيعاب، أو ترفض الاجتهادات البشرية الأخرى، فمثل هذه البيئات تحاول تكريس الواقع المعاش على الجميع، مما يدفعها للاستماتة في سبيل تسفيه مختلف التيارات الفكرية، انطلاقا من قناعات مسبقة، وعدم قدرة على التعايش مع الاختلاف الفكري، الأمر الذي يتمثل في الكثير من الممارسات، بعضها عبر التحريض الاجتماعي، والبعض الآخر بواسطة التشكيك في ماهية تلك التيارات، وخطرها على البيئة الاجتماعية.
التوجهات الاجتماعية أحد مظاهر التطور الفكري لدى الإنسان، فالمرء يحاول إظهار تلك القناعات بواسطة العديد، من الممارسات على الصعيد الاجتماعي، الأمر الذي يسهم في خلق تيارات قادرة، على تحريك بعض المفاهيم السائدة، أو تصحيح بعض القناعات السابقة.