الإخوة والأخوات علاقة يسودها التوتر والخصام!!
ورد في سيرة السيدة المعصومة أنها قامت برحلتها قبيل رحيلها من هذه الدنيا بهدف اللقاء بأخيها الإمام الرضا ، بعد أن طال بها الشوق والحنين لرؤيا أخيها مجددا، ومن خلال هذا الموقف الرابط بين الأخوين نستشف مدى علاقة الانسجام والترابط والمحبة بينهما.
وبالتأكيد فإن تأصيل مبدأ العلاقة بين الإخوة والأخوات نترسمه من خلال هذه القدوة الحسنة، وننطلق منها نحو تربية أبنائنا على بناء علاقات متينة ومثمرة يسودها جو المحبة والاهتمام بأحوال إخوانه وتفقدها، وتقديم يد العون والمساندة إذا داهمت أحدهم ملمة أو مشكلة استعصى عليه حلها أو تجاوزها بأقل الخسائر، وهذه الصورة الجميلة لا تعد مثالية زائدة كما يتصور البعض، وذلك - حسب زعمهم - بالنظر إلى أن الجانب النظري يمكن أن يسطر فيه كل علامات الاستقرار والتواصل بين الإخوان، أما في الجانب العملي وعلى أرض الواقع فنحن أمام مشهد مؤلم بدأت أسوار الأسرة المعنوية تتحطم وينفر أبناءها عليها دون مبالاة بغيرهم، فقد طغت لغة المادية وتسيدت الموقف بحيث أن الأخ يبخل على أخيه وأخته بتقديم أي مساعدة مالية، بل ومسألة الخلافات حول تركة الميت بين الأخوة من القضايا الشائكة والمنتشرة في المجتمع بقوة، فضلا عن تلاشي التلاقي بين الإخوة والأخوات والتواصل بينهم بعد أن استقل كل واحد بأسرته، وذلك بحجة مشاغل الحياة التي حولت رابطة الدم بينهم إلى مجرد علاقة عابرة سرعان ما انمحت من الذاكرة!!
علاقة التقارب والانسجام والمحبة بين الإخوة والأخوات تفرضها الفطرة السليمة، وذلك أن الإنسان يألف ويشعر بالانتماء لكل من عاش معهم من أصدقاء الصغر ومر معهم بذكريات ومواقف جميلة، فكيف بمن احتواهم سقف بيت واحد ويجمعهم والدان يحيطونهم بالحنان والمساندة، ولكن العلاقة بين الإخوان تحتاج إلى عمل مثابر لكي يكتسبوا الألفة والتحنن تجاه البقية، فهذه تربية يتلقونها وجزء من الثقافة التي يتعاملون بها وعاشوا تجربة تطبيقها ورؤيتها جلية بينهم، فبعد هذه الدورة التدريبية ليس من السهل التخلي عنها إلا إذا تدخلت عوامل هدم محقت هذه القيمة من نفوسهم.
فعلاقة الانسجام والمحبة بين الإخوان ليست مجرد مثل وهمية في المدينة الفاضلة، بل هي حقيقة لها ما يسندها من جهة الفطرة السليمة والوجود السوي للإنسان، ولكن هناك عوامل يمكن أن تتدخل فتحدث الشقاق والبغضاء بين الإخوان ينبغي الالتفات لها ومعالجتها، فمسألة الخلافات المالية كالبخل والإعراض عن مساعدة أشقائه تخضع إلى عامل حب المال الطاغي عليه، والذي يمكن الوقاية منه منذ الصغر بتعويد الإخوة على العطاء ومساعدتهم بجزء من مصروفه وتشجيعه على ذلك، بتقديم الهدية المحفزة له ليكون البذل سلوكا مستداما عنده، كما أن التذرع بضياع المال عند تقديم القرض فهذا يمكن معالجته بالتوثق للنفس بكتابة وثيقة دين كما نص القرآن الكريم دون التحرج من ذلك بتحكيم العواطف ومن ثم الندم بعد ذلك، ومسألة المواريث وتقسيم تركة المست فهي سهلة أيضا إذا رجعنا لحكم الشارع المقدس في تقسيم نصيب كل واحد منهم، وإنما تنشأ المشكلة المفضية للخلافات من تحكيم الأهواء والمطامع وإجبار بعض الأطراف على التنازل عن حقه والمراوغة على عدم تسليمه نصيبه!!
ومن تلك العوامل المؤدية إلى وجود شرخ في العلاقة بين الإخوة والأخوات هو التربية الخاطئة من الوالدين، فعدم المساواة بينهم في التعامل وإغداق مشاعر المحبة يزرع بينهم الحقد، وتستفحل مستقبلا فتسود الخصومة والقطيعة فضلا عن حب الانتقام عند بعضهم، والغيرة الهدامة تنشأ من تفضيل بعضهم على الآخر فهذه الطرق من التعامل تسبب التوتر في علاقاتهم وضعف التواصل بينهم.
وقد يكون منشأ الخلافات والاضطراب في علاقاتهم يعود إلى عامل ذاتي في الشخص، ويرجع ذلك إلى محددات شخصيته وأسلوب تعامله وميوله غير المقبولة عند بقية إخوانه، وحتى في مثل هذا الوضع يمكن معالجته من خلال تقبل بعضهم مع وجود عيوب أو صفات غير مقبولة منه، فمتى ما تكونت عندهم القناعة بأنهم تربطهم علاقة دم ويعيشون تحت سقف وحنان أبوين للجميع، أمكنهم تجاوز هذه العقبة والتعامل معها بهدوء بعيدا عن الخلافات والمشاحنات.