هل حقا يتسع الفرح للجميع في الرياضة؟
عندما اختار الفنان عبدالاله مطر أن يقدم تجربته في ملامسة جماليات التشجيع في ملاعب كرة اليد، ويخرج عملا تسجيليا محايدا في عالم منذور للتعصب، عنون التجربة ب”فرح يتسع للجميع”، وهو عنوان حالم بامتياز، لأنه يفترض بأن التشجيع هو منصة للفرح، في الوقت الذي يعرف الناس بأن في كل مباراة وبطولة ثمة فائز وآخر خاسر، وأن هنالك من تحمله الخسارة إلى الاحباط والغضب وحتى الاكتئاب.
وبعيدا عن التلقي الإيجابي لهذا التسجيل القصير، والذي جعل أحدهم يعلق بالقول بأنه شعر بالتعاطف مع الخاسر رغم انحيازه شخصيا للفائز، هنالك من ينتابه الشك في إمكانية قسمة الفرح على جمهورين في كل مباراة، لأن الفرح برأيه متصل بالنتيجة، بما يطمح له الجمهور ويرى بأنه سبب حضوره للمكان والمشاركة في تجربة التشجيع.. كل خسارة تعادل حقنة من ألم، هكذا يعرف الناس، إيا كانت درجة الألم، فمن أين يتأتى الفرح للجميع في هذه المناسبات؟
الدارسون لسيكيولوجيا المشجعين في الملاعب الرياضية، يذكروننا عادة بأن جمهور الرياضة حالة استثنائية، حيث يصر المتفرجون على تشجيع فريقهم مرة بعد أخرى حتى لو تكررت الهزائم والنتائج المخيبة، يشعرون بالاحباط مرة بعد أخرى، لكنهم في النهاية يحملون أملا جديدا معهم لمباراة أو بطولة أخرى قادمة.. هنالك ما يسمونه تأثير الدوبامين، الهرمون الكيميائي، الذي يفرزه الدماغ ويجعلنا نذهب في كل مرة طامعين بنتيجة أفضل.. يحرضنا على الاعتقاد بأن السعادة ممكنة، وأن تحقيق انجاز ما سيهبنا الراحة والبهجة.
قد يرتفع مستوى الخيبة مع ارتفاع سقف التوقعات، إلا أن فعل المشاركة الاجتماعية هو محرض آخر على الشعور بالسعادة والأمل على حد سواء، من يذهب إلى مواقع التشجيع يحمل معه إحساسه بهذا الاتصال العاطفي بالفريق والمكان والناس، ينغمس في التشجيع كلون من ألوان القداس الجماعي، الذي يطرد المخاوف ويجلب الإحساس بالقوة، ومن هنا تلبي لحظة التشجيع حاجة نفسية واجتماعية لجموع المشجعين، وتهبهم الاعتقاد بالقدرة على طرد الألم وصناعة الأمل.
من المؤكد بأن الجمهور لا يمكن أن يعيش حالة اللامبالاة إذا ماخسر فريقه المفضل، هنالك حتما الكثير من القلق والتماوجات العاطفية خلال المباريات، إلا أن هذا التنافس والتزاحم بين الجماهير وبين الفرق هو مصدر المتعة، والإثارة، وبعد كل عاصفة كورية سينتهي الحدث إلى الهدوء، والعواطف إلى الاسترخاء، ويعود كل متفرج إلى التعاطف ثانية مع فريقه، فهو بالنسبة له ما يجعله مختلفا عن الآخرين، ويجعله يحلم بقصص نجاح قادمة، فالشعور بالارتباط مع طيف من المشجعين من جهة، والتعلق بالأمل في العودة ثانية في المستقبل من جهة أخرى، هما ما يملمان أنقاض الخسارة وأوجاعها بعد كل هزيمة.
والحال أن الفنان المطر أراد بعمله تقديم دعوة للنظر إلى التشجيع في صالات كرة اليد كأوركسترا مهيبة، لا تقل جمالا عن العزف الجماعي الذي تديره أيدي اللاعبين في الملعب، وأن السمو بمشاعرنا هو لحظة فوز لا تعوض بثمن، بمثل ما هي الفرجة التي لا يمكن أن تكون إلا مناسبة لاجتراح الفرح.
https://www.instagram.com/reel/Cst0YBjNjCI/?igshid=MzRlODBiNWFlZA==