تجارب في العمل التطوعي
عنوان المقال مقتبس حرفياً من الندوة التي أقامها منتدى الثلاثاء الثقافي ضمن أنشطة مهرجان قصر تاروت 2، التي كانت تقام في الهواء الطلق على سفح قلعة تاروت تحت مظلة وإدارة جمعية تاروت الخيرية بجزيرة تاروت، واختتم أنشطته مؤخراً.
لقد غطى ضيوف الندوة عدة محاور مهمة حول العمل التطوعي، وشاركهم فيها أيضا سعادة رئيس نادي تطوع الإداري الصحي بالجمعية السعودية للإدارة الصحية الأستاذ/ ثامر الدرعان، إذ تم التعريف بمصطلح العمل التطوعي، وتلاه شرح ثري عن الحوكمة في القطاع غير الربحي، كما تم المقارنة بين العمل التطوعي سابقاً والعمل التطوعي بشكله الحالي الذي اكتسب مزيداً من الاحترافية. كما تم استعراض العديد من النماذج والتجارب الملهمة في العمل التطوعي.
ما زالت المملكة تدعم القطاع غير الربحي، ولعل تطوير آلية الإشراف عليه عبر نقلها من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي هي أبرز أنواع الدعم التي تقدمه المملكة للقطاع غير الربحي، حيث تضاعف عدد الجمعيات بأنواعها من ما يقرب من 1000 جمعية إلى أكثر من 3500 جمعية - ومازال عدد الجمعيات في المملكة في تزايد يوماً بعد آخر -، إضافة إلى حزمة الإعانات المختلفة التي تقدم للجمعيات خلال عدة مراحل حسب الآليات المتبعة.
إن العمل التطوعي قائم على الإبداع الذاتي، ويحتاج إلى مرونة مناسبة وفضاء أوسع لإظهار وتنمية هذا الإبداع على مستوى الفرد والكيان أيضا. فهو يحتاج أن يدار ويحوكم عبر القيم العليا مثل: العدالة والشفافية والاستقلالية والمشاركة في صنع القرار، فالقيم العليا - في القطاع غير الربحي - هي التي تحتاج لترجمة عبر حوكمتها، وليس حوكمة آليات وإجراءات عمل.
لعل الإشكالية التي تواجه القطاع غير الربحي حالياً باعتباره قطاعاً إنتاجياً ثالثاً - وهو يتمتع بكل أنواع الدعم سواء المادي أو الإداري أو المعنوي الذي ترفده به الدولة - هي في درجة التشابه التي زادت مؤخراً بينه وبين القطاع العام، فالأنظمة واللوائح التي يعمل القطاع غير الربحي من خلالها وآليات الإشراف عليه لا تكاد تختلف عن أنظمة وآليات العمل والإشراف المتبعة في القطاع العام، وهو ما ينعكس أثره على العاملين والمتطوعين والكيانات المنضوية تحت القطاع غير الربحي والتي أبرزها الجمعيات بأنواعها.
الواقع اليوم، أن أنظمة القطاع العام في المملكة شهدت في السنوات الأخيرة تحديثاً نوعياً يكاد يكون شاملاً وسريعاً، وهو ما جعله في سباق حتى مع القطاع الخاص الذي هو بطبعه أكثر سرعة ورشاقة في الأداء والتأقلم مع المتغيرات. فالقطاع العام اليوم أصبح أكثر تحرراً من البيروقراطية التي عُرف بها القطاع العام في معظم دول العالم.
لقد أجادت الأميرة موضي بنت خالد في مقابلتها التلفزيونية الأخيرة - وهي الخبيرة والممارسة للعمل التطوعي لعقود - حين حددت مشكلات القطاع غير الربحي في نقطتين مهمتين، الأولى: في نظرته الدونية لنفسه، وهذا ما يمكن معالجة جزء كبير منه عبر منح المزيد من الاستقلالية، والنقطة الثانية: هي في جمود الأنظمة الخاصة بالعمل التطوعي، وقد قطع تطوير الأنظمة في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في هذا المضمار لمسه الجميع.
أعتقد أن لا أحد يتمنى أن يرى القطاع غير الربحي نسخة مكررة شبيه بالقطاع العام بشكله القديم، فهو يحتاج دوماً إلى المرونة ومساحة أوسع على مستوى آليات وإجراءات العمل تميزه وتحفظ استقلاليته التي هي أهم ما يميزه، بل نستطيع القول إن القطاع غير الربحي بحاجة إلى إطار أشبه ما يكون بالفوضى المنظمة تحكمها الأطر التي تحافظ وتدعم بيئة الإبداع في ظل سيادة القيم العليا الحاكمة.