لونتني الساقية.. الشوكان بين الفرشة والقافية
سأتناول ديوان الشاعرة زهراء الشوكان: «ألوّن صوت المجاز»، الصادر عن بسطة حسن للنشر والتوزيع، في 177 صفحة، لألتقط منه بعض الملامح التي أنطلق منها في هذه المقالة.
على سبيل المقدمة أقول: كانت معرفتي بالشاعرة والفنانة الشوكان متأخرة قليلًا، فقد لمَحتُ لها بعض القصائد المبثوثة في مجموعات شعرية من قبيل: ”فراشة على كتف الغدير“، وهو من إصدارات ملتقى ابن المقرب، ثم في كتاب: ”قالوا القطيف“ للصديق الأديب سعود الفرج، وأعترف أن الاسم لم يخلد في ذاكرتي! حتى التقينا في فضاء الإنترنت، لأتعرف إليها مجددًا فنانة وشاعرة ترسمُ بريشتها لوحةً فنيةً تارةً وتنظم قصيدةً بديعةً تارةً أخرى، ومن الأمور التي أحببتها في تجربة الشوكان، أنني وجدتها تتخيّر التجارب الشعرية ولن أقول هنا الناضجة، بل الأكثر نضجًا، لتواكبها، ولتكتب هي الأخرى القصيدة المختلفة الملونة بصوتها الخاص.
تساءلت كيف تكتب الشوكان قصيدتها وهي الفنانة المنغمسة في عالم الفن مع الريشة والألوان، فوجدتها تفصحُ عن ذلك قائلةً:
قد لمستُ النجم حقًا
فانظروا
كم سوف أرقى!!
وانظروا لونَ سمائي
أشرقتْ
رعدًا وبرقا!!
فتأملت في عبارتها لعلي أهتدي لهذا النجم الخفي الذي قبضت عليه لترقى، فقلت ربما رمزت الشاعرة بذلك لعالم القراءة التي ترقى بالإنسان حين تتنزل عليه المعاني والكلمات والأفكار والصور، فتعمل على إخراج ما يختلج في صدرهِ على شكل أبيات وقصائد!
وهنا أستحضر الآية الكريمة إذ يقول - عز وجل - ﴿وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج﴾. فالقصيدة المثقفة - يا سادة - لا يكتبها من اكتفى بالقبض على علم العَروض والوزن والقافية وأمتلك بذلك الأذن الموسيقية، بغير قراءة جادة تُثريه، لتُثري لاحقًا من يقرأ قصيدته.
يكتب الشاعر قصيدته التي تطربنا وهو يتألم في داخله، ونحن لا نشعر بمعاناته ومرارة الألم الذي يسكنه، ودعونا هنا نتأمل قول الشوكان وهي تقول في ”النزف الذاتي“:
"وأنثرني
لعل الجرحَ يجمعني
على صفحاتِ أوراقي
يُلملمُني
وأكتبني
وأَشهدها هنا الدمعاتُ
تَبكيني وتُتبعني". ص116-117.
الشوكان هنا تمارس نظرية «العلاج بالكتابة»، لتتخلص من أوجاعها، أو لأقل من أوجاعنا، فالوجع الإنساني وإن توزّع في أجسادِ البشرية إلاّ أنه يبقى نفس الوجع!
وعندما نسأل زهراء أين تسكن الجراح، تقول:
"سكنتْ جروحي في زوايا داخلي
ونمتْ تُبَلّلُ بالدموعِ
كتابي". ص 150
وأي دموع هذه يا زهراء، إنها الدموع التي تجعلنا نعيش الدهشة مع حروفك الأنيقة، التي تبزغُ وتتألق من خلال علاقتك الوثيقة بعالم القراءة والكتاب الذي يتشرّب دموعك المنهمرة حزنًا وألمًا، بفعل الجراح التي تنهش قلبك - وقلوبنا معك - بسبب المآسي التي تعصف بالإنسانية هنا وهناك!
ورغم الألم ورغم الوجع، الذي جعل زهراء تنشج قائلة:
"الدهرُ أسقاني صنوفَ كروبهِ
ومضى يُجَرّحُني
ويسألُ ما بي"َ؟! ص150.
إلّا أنني سأعتبرها - مع اعتذاري المسبق - تسجل كذبة بيضاء وهي تقول:
"والشعرُ غادرني وأطفأ نبضهُ
أعياهُ صوتُ توجعي
وعتابي!!" ص 151
فهل يغادر الشعر فنانة وشاعرة وهي تعيش بين هاجسين يجعلها تردد بصريح العبارة واقع حياتها قائلة:
تغفو على شفةِ القصيد حياتي
وتفيقُ من قلقٍ على لوحاتي
فأنا أوزعني كحرفٍ طائش
مِن شِعّرِه يرتاحُ في الفرشاةِ
وأُسجّلُ هنا فكرة عابرة حول إدعّاء بعض الشعراء العصامية وهم ينقشون رويدًا رويدًا أسماءهم في عالم الشعر، وكأنهم نبتةً بريّةً لم تحظَ بالرعاية! لكن شاعرتنا زهراء تنسب الفضل لأهله وتوثق في ديوانها قصيدة بعنوان: ”وحي فراته“، تُشيد فيها بفضل أول نورٍ أخذ بيدها وأنار بفيضه المدى شعرًا وسحرًا ومجازًا وخيرًا، أجل إنه أستاذها المربي حسن أحمد الطويل، الذي:
شهدُ البيانِ يشعُّ في مشكاتِهِ
والشعرُ يُغرفُ من نميرِ فراتهِ
حملَ الضياءَ وطافَ يشرقُ للذي
ما زالَ يعثرُ حائرًا بجهاتهِ
الشوكان الشاعرة الفنانة، بهذا التواضع وبهذه الأريحية تقدّم نفسها في ساحة الشعر، لتقول لنا إن الشعر باقٍ ما بقي الإنسان.
وختامًا، أقول: مع الصوت الملون بالمجاز كان مني هذا الصدى إذ قلت وأنا أتصفّح ديوانها:
الفِرشة الحسناء ترسمُ قافيةْ
والشعرُ يحيي اللوحةَ المتداعيةْ
وأنا أهيمُ بعالم الحرف الذي
يرقى بروحي للسماء العاليةْ
ووجدتُ بحرَ قصائدٍ قد بلسمتْ
قلبي بسحرٍ قد أفاض العافيةْ
ورأيتني بين المجاز وصوتها
أشدو وأطربُ لونتني الساقيةْ