الشموع ودلالاتها الرمزية في الأفراح والأعراس والمناسبات
تتراقص ألسنة اللهب، مع أنغام الآلات، وأصوات الغناء الشجية، الممتزجة بدمدمة الدفوف، فتضفي على الزفاف بهجة الراقصين، على إيقاع الطبل وإيقاع الضوء والعتمة، فبالرغم من حملهم للفوانيس، والفنارات التي تضيء عتمة الليل، وظلمة الطرقات والأزقة، في زفاف العرسان الذكور، إلا أنهم كانوا يحرصون على حمل صواني الشموع، حتى إذا ما كادت شمعة تنطفى، سواء بسبب الحركة، أو بسبب هبوب الريح، حتى يعاد إشعالها سريعا، كي تكمل عقد الشموع التي يتراقص لهبها فوق الصحون عند كل حركة، فتزيد مهرجان الزفاف تألقا حتى ينتهي.
تعد ظاهرة حمل الشموع في صواني أثناء زفاف العرسان الذكور في القطيف واحدة من مظاهر الزواجات الشعبية القديمة التي أخذت في الأفول نسبيا، حيث لم يكن الأمر مقصورا على الأزمنة التي لم تكن فيها الكهرباء موجودة، بل رافق هذا التقليد زفاف العرسان الذكور في فترة وجود الكهرباء والإنارة، التي انتشرت لتضيء الأزقة والطرقات في القرى والمدن في المملكة العربية السعودية.
ولعل البعض لا يزال يقوم بهذا التقليد كطابع جمالي من جانب واستدعاء لعادة لا يراد لها أن تنتهي وتختفي من حياة الناس، وبهذا تضفي صواني الشموع على الزفاف طابعا شعبيا محببا للنفوس، حيث يكون ضوء الشموع المتراقص نافذة تطل بالمحتفين على أيام الآباء والأجداد.
وحيث وجدت الصواني أحضر التمر ليكون بمثابة أداة لتثبيت بين ثلاث إلى خمس شمعات فوق الصينية الواحدة، وما إن يبدأ زفاف العريس حتى تجد ثلاثة إلى خمسة أشخاص يحملون تلك الصواني بين أيديهم، بعضهم أمام العريس أو بالقرب منه، والبعض الآخر وسط الحشد الذي يرافقه، وهم يطوفون الأزقة والطرقات وصولا للمسجد، حيث يصلي العريس ركعتين ثم ينطلق الموكب نحو بيت الزوجية، وما إن يدخل العريس بيت الزوجية، حتى يستمر الوفد المرافق له هنيهة لدقائق، يتراقص بعض أفراده على إيقاع الدفوف بتناغم مع تراقص شعلة الشموع، حتى إذا ما انتهى ضاربوا الدفوف خمد هنالك كل شيء بما فيها جذوة الشموع، التي يتم إطفاؤها فيتقاسم الصغار أعواد الشموع بينهم قبل أن يتفرق الموكب.
ولكي ندرس هذه الظاهرة لا بد لنا أن ننظر لها من خلال المنظور الأنثروبولوجي لكون الثقافة الاجتماعية والشعبية في القطيف تشتمل على مجموعة من العناصر التراثية التي تكون عبر مراحل مختلفة من التطور الحضاري، ولا يزال شيء منها بارزا بشكل مادي أو غير مادي.
وتعد الثقافة رغم التحولات والتغيرات الاجتماعية المتسارعة رافدا لدراسة وتحليل المعاني والرموز والدلالات، ولهذا لا بد من توظيف الأنثروبولوجيا في قراءة هذه الثقافة وهذا التراث، بما يتناسب مع المعطيات الحضارية والإنسانية، فالثقافة الشعبية في دورة حياة الشعوب تستمد وظيفتها من خلال العادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية، وبهذا ستكون الانثروبولوجيا حاضرة لكي نستعين بمناهجها في دراسة التراث الثقافي في القطيف بهدف قراءة المدلولات والرموز الاجتماعية من منظور أنثروبولوجي، بغية الكشف عن معانيها من جانب، وتفسيرها في إطار التحليل من جانب آخر.
ورغم أن الأنثروبولوجيا تعد واحدة من أبرز العلوم الحديثة، فضلا عن وجود مجموعة من الاختلافات بين العلماء في اشتغالاتهم بالمصطلح والمحتوى الذي تدرسه، سواء في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، أو غيرها من الدول التي لا تنطق بها، إلا أن هذا العلم أصبح يحتل مكانا هاما في تفسير وتأويل وفهم السلوك والثقافة والعادات والتقاليد والتراث الإنساني، من خلال البحث العميق والمقارن ومناقشة نمط العيش، وكذلك المنجزات المادية والمعنوية والفكرية، والربط بين العلوم والإفادة من نتائجها على اعتبار أن السلوك والثقافة والعادات والتقاليد والتراث هي الموضوعات الأساسية التي تدور حولها الجوانب المعرفية.
ويهدف علم الأنثروبولوجيا لوصف مظاهر الحياة البشرية، وتصنيف تلك المظاهر، وتحديد أصول التغير وأسبابه، واستنتاج المؤشرات، والتوقعات في الظواهر الإنسانية.
وهذا يتوافق مع تعريف تايلور الذي يرى أن الأنثروبولوجيا هي الدراسة البيوثقافية المقارنة للإنسان إذ تحاول الكشف عن العلاقة بين المظاهر البيولوجية الموروثة للإنسان، وما يتلقاه من تعليم وتنشئة اجتماعية [1] .
المجتمع في القطيف له جذور تاريخية تصل لأكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، ولا شك أنه خلال هذه الحقبة الطويلة قد تمت مجموعة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ضمن أنساق مختلفة كان لها تأثير مباشر على القطيف من جانب، ومن جانب آخر تأثر بالثقافة في القطيف، ولهذا لا بد من معرفة مضامين هذه الثقافة والتحولات التي طرأت عليها خلال حقب مختلفة لأكثر من سبعة آلاف عام حتى وقتنا الحاضر، وما تبع ذلك من تأثير حضارات مجاورة لها ثقلها الكبير في الشام والعراق وفارس واليمن وأوال، وما شكلته تلك الامتدادات والأنساق المعرفية والدينية على المجتمع المحلي في القطيف، حيث كان أفراده خلال حقبة تاريخية مميزة يعتنقون أديان مختلفة برزت خلالها المجوسية واليهودية والمسيحية فضلا عن أديان أخرى وثنية، قبل أن يعتنق المجتمع بأكمله في القطيف وإقليم البحرين دين الإسلام منذ فجر الرسالة المحمدية عندما التقى وفد عبد القيس بالنبي محمدﷺ.
ولا ريب أن كل هذه التيارات والثقافات الفكرية التي مرت على هذا المجتمع قد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في ثقافته وفي سلوكه وفي معتقداته وفي عاداته وتقاليده وكذلك في مجمل الطقوس والأعراف المختلفة، ولا مبالغة إن قلنا إن طقوس العبور غالبا ما تحظى عند مختلف الشعوب بحالة من القداسة تكون مغلفة بهالة من الطقوس المختلفة.
وإذا اعتبرنا الزواج حالة عبور من حياة الطفولة إلى حياة الشباب، ومن حياة العزوبية إلى حياة الزوجية، إلى جانب كونه انتقالا من حالة عدم المسؤولية إلى حالة المسؤولية، ومن حالة البنوة إلى حالة الأبوة، فإنها بهذا المعنى تمثل حالة عبور وبالتالي لها طقوس وأعراف وتقاليد خاصة بها في المجتمعات حول العالم.
وتبرز أهمية هذه الدراسة من كونها تركز على ظاهرة اجتماعية، ثقافية، اقتصادية، وتحاول قراءة العلاقات من خلال الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، والتعرف على كيفية نشوء هذه الظاهرة وتفسير السلوك الاجتماعي نحوها.
وأما الهدف من هذه الدراسة فيكمن في الرغبة في تفسير هذه الظاهرة وأثرها على سلوك الناس، ولا شك أنه من خلال تقصي هذه الظاهرة سنكون قد عملنا على تدوين هذه الثقافة وهذه العادة التي أخذت في الأفول نسبيا، متمنيا أن يكون هذا البحث مرشدا ودليلا فكريا ومنهجا للمزيد من التأمل والتحليل والتفسير والتقصي والبحث والدراسة لكل من يهتم بهذه الثقافة وهذه الظاهرة الثقافية في القطيف والتي لم تحظ بالكتابة ولم يتسنّ لها إلا النقل الشفوي.
ولقد حاولت الربط بين رمزية الشمعة كمادة روحية، ورمزيتها كجانب احتفالي، ولاحظت أن هنالك أمورا مختلفة تدخل فيها الشمعة في معترك خصوصي يتقاطع مع مادتها الشمعية وشكلها كعود مستقيم به فتيل مشتعل، إلى جانب خصوصية شعلة النار الملتهبة في فتيل صغير يعبر عن صغر اللهب الذي يصدر ضوءا ينير ما حوله، وكذلك خصوصية الصواني التي تثبت عليها الشموع سواء بالطين أو بعجينة التمر أو عجينة دقيق الحنطة إلى جانب أشياء أخرى تحيط بالشموع الموقدة.
وقد حاولت الوصول لشيء ما، من خلال قراءات مختلفة لعدد غير محدود من المقالات العابرة في هذا الشأن، إلا أنني ازددت قناعة بأن وراء هذه الشموع لغزا محيرا وغير مفهوم نسبيا، خصوصا وإن هذه الشموع تحتل مكانة ليست بسيطة، ليس لكونها مادة شمعية صنعت كعود مستقيم به فتيل من القطن، بل لكونها تحترق من خلال شعلة تنتج ضوءا ينير ما حولها، وهو أمر جعل لها دلالات وسمات رمزية عميقة لدى مختلف شعوب العالم، سواء كانت روحية أو اجتماعية أو حياتية.
ولقد وجدت أن الشمعة لها رمزية كونها شمعة أولا، كما وجدت أيضا أن النار سواء كانت في الشمعة أو في غيرها لها رمزية أخرى، ووجدت كذلك أن النور والضوء سواء كان من شمعة أو من غيرها له رمزية ثالثة، ووجدت أيضا أن وجود الشموع في صينية له رمزية وخصوصية مختلفة عن غيرها، ولهذا كان لا بد من البحث في هذا الأمر للوصول لشيء رابط بين كل هذه الخصوصيات والرموز المختلفة.
وقد بحثت عما إذا كان هناك بحث يتقصى كل هذه الخصوصيات للشمعة، إلا أنني لم أجد بحثا استكمل هذا العقد المنفرط في خصوصية الشمعة، وقد حاولت أن أجمع شيئا يربط بين كل هذه الخصوصيات المتناثرة من خلال استعراضها أمام القارئ.
لقد لفت نظري هذا التقليد وهذا الطقس الجميل منذ طفولتي، وقد ارتبطت لدي الشموع كما أغلب الأطفال في بلدتي بطابع الفرح والجمال والسعادة، فلما كبرت خطر في بالي تساؤل عن هذا التقليد وعن مدى ارتباطه بجذور معينة لها طابع ديني أو طقوسي، سواء لدينا في القطيف أو في ثقافات أخرى.
ولعل الشيعة في مختلف دول العالم أثناء الاحتفاء بذكرى عاشوراء السنوي وتحديدا في اليوم الثامن من عاشوراء أو ما يعرف بمقتل القاسم بن الحسن، يقيمون هذا الزفاف المشهور حتى اليوم، حيث تشعل الشموع تعبيرا عن الزفاف.
ولا شك أن الشيعة في العراق كونهم يحتضنون مراقد شهداء واقعة كربلاء، أصبح لهم تأثير خاص في إحياء كثير من الطقوس، والتأثير فيها، وإحاطتها بجانب من العادات العراقية. إلا أن زفاف الشموع وإن كان شائعا في ذكرى عاشوراء في مختلف الحواضر الشيعية حول العالم، إلا أنه لم يكن حاضرا في الزواجات والأعراس في كل تلك الحواضر، بل ليس في كل مناطق الشيعة في العراق ذاتها.
الجانب الآخر أن زفاف الشموع يقوم به غير الشيعة سواء في العراق أو خارجه، وبالتالي هو غير مقصور على الشيعة، لكن مما لاشك فيه أن هناك قاسما مشتركا لدى الشعوب التي تحتفي بالشموع في الزواجات والأعراس سواء للذكور أو للإناث.
ومن الملاحظ أن الشموع ليس لها حضور في الأعراس فقط، بل لها حضور في بعض الطقوس الدينية لدى طوائف وديانات مختلفة حول العالم منذ أن عرف الإنسان الشموع في الألف الثالث قبل الميلاد، وهذا الأمر يفرض سؤالا جوهريا حول القاسم المشترك في الاحتفاء بالشموع في الأفراح والزواجات من جانب، وفي الطقوس الدينية من جانب آخر، وهو أمر يجعل من الشمعة رمزا روحيا بالدرجة الأولى، ورمزا احتفاليا في طقوس مختلفة بدرجة ثانية، فهل كانت بالفعل كذلك؟
لا يمكن لأي موضوع أن يشكل أهمية في حياتنا إلا من خلال حاجتنا الفعلية له، سواء كانت تلك الحاجة روحية أو فكرية أو وجودية أو معرفية أو حياتية، ولعل هذا الموضوع لا يحتل شيئا من هذه الجوانب إلا في نفسي وبشكل ذاتي.
وحيث أن عادة حمل صواني الشموع في الأعراس لا يزال البعض في مجتمعنا يقوم بها فلا شك أنها ستكون فيما بعد محلا للتأمل والتساؤل وربطها ببعض الطقوس، خصوصا وإنه لا يتم حملها طلبا للنور ولا من أجل الترف، وإنما استدعاء لتقليد قديم درج عليه المجتمع في القطيف.
ويوجد العديد من الأفلام على «يوتيوب» توضح هذا الأمر، لكننا هنا نستعرض ثلاثة منها فقط.
الأول يوثق زفاف أحمد وإبراهيم العقيلي من أهالي تاروت حي الشمال «الخارجية وفريق الأطرش» [2] .
الثاني يوثق زفاف السيد علي «أبو سيد احمد» بن السيد عيسى أبو الرحي من أهالي تاروت حي الشمال [3] .
الثالث يوثق زفاف حسن الحماد ابو الحسون من أهالي حي البحاري في القطيف وهو زفاف أحدث من سابقيه [4] .
ونظرا لكون الاهتمام بالشموع في الأعراس والزواجات، يتجاوز مجتمع القطيف وما حولها إلى مجتمعات دول الجوار في الخليج العربي، وكذلك بعض شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبعض الدول الأوربية مثل بولندا، فهو أمر يجعل من الشمعة مادة روحية ومعنوية عالمية تتجاوز القارات وتتجاوز كذلك الأديان والثقافات المختلفة.
وحيث أنها مادة روحية ومعنوية فهل كانت رمزيتها نابعة من النور الذي تنتجه فيكون هو محل الاحتفاء؟ أم هو احتفاء بشعلة النار؟ أم احتفاء بذات الشمعة؟ أم هو احتفاء بصواني الشموع وما تعبر عنه؟
طالما مثل النور في مختلف الأديان عند الشعوب القديمة والحديثة رمزا للإله الخالق، وإلى قوى الخير، فيما مثل الظلام قوى الشر، وقد ادعت بعض الأديان الوثنية وجود آلهة للنور وآلهة للظلام ضمن مجمع الآلهة، وأن آلهة النور والظلام في معركة مستمرة على الدوام.
ولا شك أن عبادة الشمس والقمر كانتا ضمن عبادة الضياء والنور، وما يمثله كل منهما من رمزية، حيث اعتبر خروج الشمس كنوع من البعث، وعلامة على انتصار الإله على قوى الظلام، وقد ارتبطت شعوب عديدة بعبادة الشمس كإله رئيسي، أو ضمن مجمع الآلهة لديها، ولا ريب أن قدماء السومريين والبابليين والآشوريين والكنعانيين، كانت الشمس إلاها ضمن مجمع الآلهة لديهم، حيث نجد في ديانات ما بين النهرين أن إله الشمس أتو أو شاماس أو شمس يتولى الحكم على أرواح الموتى، وهو يمر بالعالم السفلي في السماء، فيزودهم بالضوء الوحيد الموجود لديهم، وكان يرمز للشمس بقرص مجنح في آشور، فيما يرمز له بدائرة حولها خطوط أربعة في بابل، وقد عبد قدماء المصريين الشمس في هليوبوليس وكانوا يطلقون عليها اسم راع، ويعتقدون أن الملك الميت يصحب إله الشمس في رحلته [5] .
وأما اليونانيون القدماء فقد عبدوا الشمس «فويس» والقمر، وكانوا يعتبرونهما مقدستين، وتمثلوهما على صورة البقرة والثور، على أن الشمس كانت عند الرومان إله رئيسي خلال فترة أسرة سيفروس، واعتبر إله الشمس إله أعظم للإمبراطورية الرومانية في فترة أورليان. فيما عبد قدماء الهنود الشمس وكانوا يطلقون عليها اسم براهما وسيريا وفشنو وفارونا ومترا، وعبد قدماء الصينيين الشمس أيضا، وأطلقوا عليها اسم كامي، كما أطلق قدماء اليابانيين على الشمس اسم أماتيراسو [6] .
وبالعودة للنور نجد أن اليهودية والمسيحية والإسلامية، تتفق مع بعض الديانات القديمة في أن الخالق يمثل النور، كما يمثله كل من يحمل رسالة الخالق للناس، ولا أدعى من التصريح الفصيح الواضح الذي نجده في القرآن الكريم في سورة النور التي أخبرنا فيها الله أنه سبحانه وتعالى هو النور الذي يضيء الكون بأسره، قال عز من قائل: ﴿آللَّهُ نُورُ آلسَّمَٰوَٰتِ وَآلْأَرْضِ﴾ [7] ، وقد تعددت الآيات التي تتحدث عن نور الله في مختلف سور القرآن الكريم، وكذلك عن النور الذي جعله الله بين يدي عباده المؤمنين.
ولم تقف كلمة النور في القرآن الكريم على المعنى المباشر للفظة النور، بل تعدت ذلك إلى مجموعة من الدلالات والإشارات والمعاني، وفقا لسياقها ومن خلال اتصالها بكلمات ومضامين أخرى، حيث ذكرت كلمة النور في القرآن الكريم 48 مرة، فيما ذكرت كلمة ضياء في القرآن الكريم 6 مرات بصور ودلالات ومعاني مختلفة [8] .
وليس القرآن الكريم فقط يذكر النور وإنما ذكره الإنجيل أيضا في 26 آية [9] وذلك بعهديه، وقد اختلفت دلالتها وتنوعت ولا أريد استعراضها هنا، لكن على سبيل المثال جاء في رسالة يعقوب القول التالي: إن كل عطية صالحة وهبة كاملة إنما تنزل من فوق، من لدن أبي الأنوار الذي ليس فيه تحول ولا ظل لأنه لا يدور [10] .
وجاء في إنجيل يوحنا القول التالي: وخاطبهم يسوع أيضا فقال: أنا نور العالم. من يتبعني فلا يتخبط في الظلام بل يكون له نور الحياة [11] .
كما ورد في رسالة يوحنا الأولى القول التالي: وهذا هو الخبر الذي سمعناه من المسيح ونعلنه لكم: الله نور، وليس فيه ظلام البته [12] .
وقد رمزت المنوارة عند المسيحيين إلى النور الذي يذكر بالخالق الذي أوجده، كأول عمل خلقه، كما ترمز للمسيح على أنه نور العالم [13] .
وأما في اليهودية، فقد رمزت المنوارة للنور الروحاني الذي ينير الأرواح، وكذلك للنور السرمدي والضوء الذي لا ينطفئ، ورمزت في عيد الأنوار أو عيد التدشين «الحانوكاه»، حيث تستخدم منوارة ذات تسعة أفرع، للمعجزة التي حدثت للزيت، الذي كان مقررا له أن يشتعل لمدة يوم واحد، ولكنه استمر لمدة ثمانية أيام، ويعتقد المفكرون اليهود، أن المنوارة ترمز لشجرة الموريا، التي تقطر أغنى عطورها، فيما المنوارة تبعث أبهى أنوارها، وإن المنوارة تجسيد لشجرة الحياة، أو الشجرة الالهية التي تحمل النور الإلهي إلى العالم [14] .
ولا شك في أن شعوب العالم منذ فجر الإنسانية حتى اليوم تعتبر النور مادة روحية ومعنوية لها خصوصيتها ولهذا فقد أولت النور عناية كبيرة وجعلت منه مادة تتسم بدلالات وإشارات ومعاني متعددة بتعدد ألوانه وأشكاله ومستوياته.
ولقد شكل النور عند ديانات أخرى أهمية كبرى مثل الهندوسية والسيخية والجاينية، حتى أصبح الاحتفاء به من أهم الأعياد لدى هذه الديانات، ويعرف باسم «ديولي» حيث يرمز عندهم للبداية الجديدة وانتصار الخير على الشر، والنور على الظلام، ويرمز للأمل والتفاؤل وتمتين العلاقات الاجتماعية، إذ يقوم المحتفون فيه بإشعال الشموع وتزيين منازلهم ومحلاتهم التجارية والأماكن العامة بمصابيح زيتية صغيرة، كما يعمدون لإطلاق الألعاب النارية، التي تضيء السماء بألوان مختلفة [15] .
وأما الصابئة المانديون أو المندائيون، فيصفون الإله بأنه المطلق، وإنه الكائن الأعظم، الذي لا شكل له، ويلقبونه بملك النور، الذي يقاتل مملكة الظلام، وأن خلق العالم جاء عن طريق فيوض صدرت عن ملك النور، وأن الروح ما هي إلا شذرات وومضات وإشعاع للنور سجن في المادة، وهي الجسد، كما يعتقدون أن الروح تعبر إلى عالم النور من خلال مجموعة من الشعائر التطهرية، التي تقام بعد وفاة الشخص، وقد اعتبر ماني نفسه رسولا للنور، وأنه جاء متمما لزرادشت وبوذا والمسيح [16] .
وفي الأساطير اليونانية، يعتبر بروميثيوس واهب الفکر العميق والحکمة، ويعد معلم ومنقذ وحامي البشرية الأبرز في استعمالات النار، حيث تمرد على زيوس وسرق النار، التي تعني النور والمعرفة والدفىء وقدمها للبشر کأحد وسائل الحضارة والتمدن الفعّالة [17] . ولا شك أن شعلة الألعاب الأولمبية التي كانت مستوحاة من أسطورة بروميثيوس تأتي امتدادا على تشارك القارات الخمس في المعرفة التي رمزت لها الشعلة كضوء ونور ونار وقيل في الأثر الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والهواء.
ولا شك أن النور صورة إيجابية يقابلها الظلام بصورة سلبية وقد أشار القرآن الكريم لهذه الصور في عدة آيات من بينها سورة البقرة حيث يقول عز من قائل: ﴿آللَّهُ وَلِىُّ آلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ آلظُّلُمَٰتِ إِلَى آلنُّورِ وَآلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ آلطَّٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ آلنُّورِ إِلَى آلظُّلُمَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ آلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [18] .
وفي سورة فاطر يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ [19] .
اختلف المؤرخون حول الفترة التي تم فيها اكتشاف النار فقال بعضهم أنها تعود إلى خمسمائة ألف سنة أي في فترة الإنسان الهومو سابيانس في الصين، وقال البعض الآخر أنها تعود إلى مليون وخمسمائة سنة أي في فترة الإنسان الاسترابيليتك [20] .
وقد اعتبر اكتشاف النار ركيزة اساسية في انتشال البشرية من واقع متخلف إلى واقع أكثر تطورا، سواء في الجانب المادي أو الجانب المعنوي والروحي، فقد أوجدت النار الدفئ والنور والطاقة، وشكلت أول إشارة للخوف والدهشة والرهبة والجمال والمنفعة، وكان لها مساهمة بارزة في تحريك القوى الدينية لدى الإنسان، ويعتقد البعض أن فكرة المقدس قد انطلقت من النار كونها تشكل نمطا مغايرا عما يراه الإنسان في عالمه [21] .
كما شكلت النار لدى العديد من الديانات القديمة أهمية قصوى واعتبرتها مقدسة، وجعلتها آلهة رئيسية أو ثانوية، كالمجوسية والزرادشتية والهندوسية، وغيرها من الديانات الوثنية، التي تقيم في حضرة النار النذور والأضاحي، كالفرس الذين يقدمون الأضاحي لـ «مترا»، والهندوس لـ «أجني»، والبابليون لـ «جبيل»، والسومريون لـ «نوسوكو»، واليونانيون لـ «هيفايستوس»، والرومان لـ «فولكان».
على أننا نجد في القرآن الكريم إشارة إلى نار باركها الله وبارك من فيها ومن حولها حيث قال عز من قائل: فلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [22] .
لكن لا نار لدى المسلمين مباركة أو لها جانب من الخصوصية، إنما وجدنا خصوصية للنار والنور بالدرجة الأولى عند اليهود، حيث نجد المنوارة توضع في كل معبد اقتداء بمنوارة هيكل سليمان كما يعتقدون.
وفي عيد الحانوكاه يتم إشعال فتيل أو فرع من أفرع المنوارة مساء كل يوم، فلا يأتي اليوم الثامن إلا والمنوارة مضاءة بكاملها بحسب عدد أيام الاحتفال، ويحملها فرع تاسع يبرز على حدة بعيدا عن الأفرع الثمانية ويسمى شميس. ويحتفل اليهود أيضا في عيد الحانوكاه بإيقاد الشموع في الميادين العامة، كما يتم تنظيم مواكب خاصة لحملة المشاعل [23] .
وفي عيد لاغ باعومر «عيد الشعلة» يقوم اليهود بإيقاد شعلة طوال ثلاث ليالي قبل الاحتفال الرئيسي وتبقى مشتعلة طوال الليالي التي تسبق الاحتفال، وفي ليلة الاحتفال تقام مراسم خاصة لإيقاد الشعلة المركزية في باحة ضريح الحبر رابي شمعون غرب مدينة صفد حيث يتوافد اليهود من أنحاء البلاد لحضور المراسم الدينية [24] .
وقيل إن اهتمام بني إسرائيل بالنار والنظر لها على أنها نار مقدسة، نابع من عدة أسباب من بينها ما أشار له البغوي في تفسيره للآية 183 من سورة آل عمران قوله تعالى: ﴿آلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ آللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَآ أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ آلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِآلْبَيِّنَٰتِ وَبِآلَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ﴾.
فيقول البغوي في جملة تفسيره لهذه الآية [25] : أن القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل، وكانوا إذا قربوا قربانا أو غنموا غنيمة جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها، ولها دوي وحفيف فتأكله وتحرق ذلك القربان وتلك الغنيمة فيكون ذلك علامة القبول، وإذا لم يقبل بقيت على حالها.
وقيل أن الله سبحانه وتعالى أمر بني إسرائيل أن من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار، حتى يأتيكم المسيح ومحمدﷺ فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان.
وكانت الزرادشتية تقدس النار، وقد جعلت تحفزها بعيدا عن أي تلوث، فلا ينبغي أن تراها الشمس، ولا عيون غير المؤمنين، ولا بد أن تحفظ في معبد للنار، وهناك من يسهر على خدمتها من الكهنة بشكل مستمر، كما اعتبرت الزرادشتية أن أنفاس الناس يمكن أن تلوث النار المقدسة، ولهذا يضعون قناعا على الفم أثناء تأدية العبادة في أوقاتهم الخمسة [26] .
وتعد النار مقدسة في البيت الهندوسي، وهي أحد ميزات العائلة الهندوسية، حيث يتم إنشاء النار من خشب خاص، ويتم إشعالها بحك الخشب بعضه ببعض، ويجب أن لا تترك حتى تخمد، ولابد أن يتقدم رب الأسرة لهذه النار بالقرابين ثلاث مرات في اليوم وبشكل يومي، وذلك لتقديم ما يسمى التضحيات الخمس الكبرى، وهي عبارة عن جانب عبادي طقوسي، وجانب آخر يتم فيه تلاوة تعاليم دينية، وتقديم الماء والطعام، وإحراق القرابين [27] .
ويمثل عيد أوبون عند البوذيين اليابانيين، أكثر الأعياد شعبية إذا يعتقد أن أرواح الموتى قد عادت إلى موطنها الأصلي، فيتم الترحيب بها بالفوانيس والألعاب النارية [28] .
وفي عيد يوان شياو الصيني الذي يسمى عيد الفوانيس، يتم الاحتفال فيه بالألعاب النارية وممارسة رقصة فانوس التنين [29] .
وفي أندونيسيا يحتفل البوذيون بعيد ويشك أو ويجك في معبد بروبودور، حاملين أعواد الخشب المشتعلة، ويحركونها مقابل وجوههم وهم يتمتمون بالأدعية والصلوات [30] .
وأما في القطيف فكان يقام احتفال سنوي قديم، مع دخول شهر ربيع الأول الهجري القمري، حيث تعمد النساء لكسر بعض الآنية الفخارية تعبيرا عن كسر الشر، فيما يتم من جانب آخر إشعال نار يقوم بالقفز فوقها الكبار والصغار الأولاد والبنات، وهم يرددون كلمات تعبر عن خروج شهر صفر ومغادرة الأحزان التي استمرت طوال شهري محرم وصفر، حيث يكون هذا الاحتفاء في مختلف الأحياء ويستمر بضعة أيام [31] .
وفي جميع أنحاء أوروبا، دأب الفلاحون على إشعال نار احتفالية في أيام معينة من السنة، حيث يقومون بالرقص حولها والقفز فوقها، وترجع هذه العادات إلى العصور الوسطى، بحسب الدليل التاريخي، الذي يثبت أن أصلها يرجع إلى ما قبل انتشار المسيحية بزمن طويل [32] .
ولدى الشعوب الفارسية مثل الإيرانيين والأكراد والتركمان والطاجيك والأوزبك والقرقيز والكازاخ، وفي مقدونيا وجنوب القوقاز والقرم، ومنطقة البلقان وكشمير وكوجارات [33] ، إلى جانب شعوب أخرى في العراق وسوريا وشمال غرب الصين، وشعوب غربي آسيا، وغيرها من الدول التي تعترف حكوماتها بعيد النوروز، نجد النار أحد أهم مظاهر الاحتفال بهذا العيد بمختلف أساطيره في كل هذه الدول [34] .
يُذكر أنّ الشموع الأولى تم تطويرها بواسطة قدماء المصريين، عندما استخدموا المشاعل المصنوعة من نقع لب القصب، في الدهون الحيوانية المُذابة، وذلك في الألف الثالث قبل الميلاد، لكن ينسب للرومان القدماء أيضا تطوير صناعة الشموع إبان القرن السادس قبل الميلاد، وذلك عن طريق غمس ورق البردي بشكل متكرر في الشحم المذاب، أو شمع العسل، أو باستخدام شمع الشحم، المشتق من لحم الأبقار والأغنام، وقد تم استخدام الشموع لإضاءة المنازل، وفي الاحتفالات الدينية [35] .
وإذا كان الرومان صنعوا الشموع من الشحم الحيواني وشمع العسل، إبان القرن السادس قبل الميلاد، فإن الصينيين صنعوها من دهن الحوت في الربع الأخير من القرن الثالث قبل الميلاد، فيما صنعها الهنود في القرن السادس قبل الميلاد من القرفة المغلية [36] .
ويقال بأن أول من صنع الشموع هم اليونانيون الأوائل، بين «1300 - 900 ق. م.»، وذلك تكريما لميلاد الآلهة أرتميس [37] . ولم يكن اليونانيون الوحيدين الذين قاموا بصناعة الشموع، حيث كان لكل شعوب العالم طريقته الخاصة في صناعة الشموع، إذ تشير دراسة حول الشموع قدمها فرانز ويلهوفت ورودولف هورن، بأن صناعة الشموع تطورت بشكل مستقل حول العالم، في العديد من الأماكن على مر التاريخ [38] .
وللشموع لدى اليهود رمزية خاصة كما سبق ذكره، فيما يتعلق بالمنوارة وبالشموع ذاتها، وتعد عطلة السبت من كل أسبوع فرضا من فرائض اليهود، وتسير طقوس السبت عند العائلات الملتزمة به بأن تقوم سيدة المنزل بإضاءة شمعتين على الأقل قبل دخول السبت، واحدة لتذكر بأيام السبت، والأخرى لمراقبة أيام السبت.
وبعد انتهاء السبت تتم قراءة «الهفدلا» وهو تبريك يتلى عند انتهاء السبت من بينه تلاوة تبريكات على الضوء الذي لم يكن ليضيء لولا تبريكات السبت [39] إذ تشدد تعليمات السبت على حرمة إشعال النار أو إضاءة المصباح [40] .
وعند المسيحيين لا تخلو الكنائس من الشموع، فهي موجودة بالدرجة الأولى في المذبح [41] ، وفي كثير من العبادات المسيحية، حيث تعتبر علامة على الصلاة، وعلى قِيامة يسوع المسيح من بين الأموات، وفي مراسم المعمودية، وفي عيد الفصح، وفي الإعلان عن وفاة المسيحي، وترمز الشمعة لانتصار المسيح على الموت، وإلى النور السرمديّ، وأن المسيح نور العالم [42] .
وأما في اليابان فيحتوي المعبد البوذي الرئيسي على مذبح به شموع مضاءة مع تماثيل لبوذا [43] .
يقطع لطفي الخوري في كتابته عن الملامح التراثية المشتركة في تقاليد دورة الحياة العربية، أن إشعال الشموع في ليلة الحناء، التي تسبق ليلة الزفاف، يتم في كافة المناطق الريفية في العراق بمختلف أطيافه، ويقول: والعادة أن يدعو أهل العروس الأقارب والمعارف والأصدقاء إلى حفلة مسائية توقد فيها الشموع في صوان، وتثبت أغصان شجيرة الآس جوارها في عجينة الحناء، وتحتوي صينية العروس إضافة إلى ذلك على نسخة من القرآن الكريم، وأوان صغيرة مملوءة بالحلوى. ويقول أيضا بأن السوريين يقومون بحمل الحناء في طبق نحاسي كبير تثبت على حوافه الشموع. ويشير إلى أن الجزائريين يضعون إناء الحناء وفيه أربع شموع مشتعلة وبين شمعة وأخرى قطعة من السكر [44] .
ولا يمكن لي أن أقطع تماما بأن هذا يمثل العادات لدى جميع العراقيين والمصريين والسوريين، ولكن الذي يمكنني قوله إنه يمثل جانبا في بعض البلدات والنواحي أو الأرياف والقرى. وإلا فإنني عندما تعقبت عادات وتقاليد العراقيين، لم أجد أنهم متفقون في كل العراق على كل العادات والتقاليد، وإنما كان هناك كثير من الاختلافات التي جاءت وفقا لأعراف ترتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة الدينية والمذهبية، فضلا عن ارتباطها بالثقافة القومية والقبلية. حيث يقول مهدي حمودي الأنصاري، في كتابته عن عادات وتقاليد الزواج في الكاظمية، أن العروس تزف يوم الخميس بعد أن تجمل من قبل الماشطة ويسير أمامها طفل يحمل شمعة، وطفل آخر يحمل مرآة، تفاؤلا بالحظ الوافر للعروس [45] .
وفي مراسيم دورة الحياة في كربلاء، يقول سلمان هادي الطعمة، أن من بين ما يتم ساعة العقد، جلوس العروس مع قريباتها وقريبات العريس في غرفة مغلقة، ترتدي ملابس بيضاء، وتكون جالسة فوق سجادة الصلاة، مواجهة للقبلة، ووجهها مغطى، وضمن الطقوس تمسك بالقرآن الكريم، وتقرأ سورة ياسين، وهناك شمعة مضاءة وطاسة فيها الحناء عجن بالماء. وفي الزفاف يتألف الموكب من نسوة، تحمل إحداهن المرآة، أمام العروس واثنتان تحملان الشموع، فيما الأخريات يهزجن ويزغردن وينشدن. وفي زفاف العريس، فإنه بعد أن يدخل على زوجته، يرفع عن وجهها البرقع، ويطبع قبلة على وجهها، ثم يأخذ الشمعة من يدها، ويسلمها إلى إحدى قريباته [46] .
كان ذلك في العراق، وإذا ما تتبعنا الأمر في غيرها وجدنا عادات تدخل الشموع فيها ضمن طقوس الزفاف، ففي تلمسان الجزائرية، يقوم أهل العروس والعريس بدعوة أقاربهم المقربين، وذلك للذهاب مع العروس للحمام، حيث يقومون بالاستحمام برفقة العروس، ويعملن جوا من المرح، كما يقومون بتدليل العروسة، حيث تدخل العروس محاطة بالشموع الملونة [47] .
وفي الجزائر أيضا، وفقا لعُرف سيدي معمر بمنطقة الشلف، يستقبل أهل العروسين المدعوين من الجيران والأقارب، وذلك قبل يوم من موعد الزفاف، حيث ترتدي العروس لباسا تقيليديا، وتقوم العجائز بربط رأسها بمحرمة حمراء، مع مرآة وشمعتين تشعلان فوق رأسها، وتخلط الحناء بالبيض وماء الزهر [48] .
وفي فاس المغربية، تجتمع أسرتا العريسين عند ضريح المولى إدريس، ويتوسطها عالم أو شريف أو إمام، ويقرأ سورة الفاتحة بصوت منخفض، ويبارك الحاضرون عمله، ثم يتبادل الناس آيات التهاني، ويبعث العريس إلى عروسه بالحليب والتمر والشمع وحناء الخطبة، وبعض القطع من الثياب [49] .
وأما في مراكش، التي تستمر فيها احتفالات الزواج ثلاثة أيام، بدءا من يوم الجمعة، الذي يعتبر اليوم الأول، نظرا لمكانته الدينية، تقام فيه حفلة الحناء، حيث تحضرها القريبات والصديقات، تتوسطهن العروسة في جلستها، ومن حولها شموع مضيئة معدة خصيصا للمناسبة. وفي الساعات الأولى بعد منتصف الليل في ليلة الدخلة، يتشكل موكب العروس بطريقة احتفالية بعد حضور أهل العريس وأصدقائه، لمصاحبة العروس أثناء انتقالها لبيت العريس محمولة في الهودج، حيث يستقبلها العريس بلباسه المغربي التقليدي مع أهله، وفي مقدمتهم والدته أو شقيقته الكبرى أو جدته، ومن حولها فتيات صغيرات تحملن الشموع [50] .
وأما في منطقة بهاليل، ففي اليوم الذي يسبق يوم الزفاف، تقام مراسم في مغارة ينعزل فيها الخاطب مع بعض أصدقائه، حيث يجلس العريس على مقعد مرتفع، ويجلس أصدقاؤه أمامه مكونين نصف دائرة، والشموع مشتغلة في الوسط، ثم يغنون ترجيعات تقليدية أثناء وضع الحناء على يدي العريس [51] .
وفي قرية المالكية في مملكة البحرين، أثناء تَجْلِيَة العروس يوضع في كفيها فنجاني قهوة، وفي كل فنجان شمعة، فيما يضع البعض شمعتين وسط صحن كبير، وتوضع به بعض النقود وبعض الحلويات [52] .
وفي بيروت، تقام حفلة العرس عادةً في بيت العروس للنِّساء فقط، فيرقُصن أمام العروس وتُقدَّم لهنَّ الضِّيافة. ويجري توزيع الشُّموع على الأولاد [53] .
وأما في احتفالات الزواج عند الأقباط المصريين، في الفترة العثمانية فتمتطي العروس حمارا مزينا، يلتف حوله الأطفال ويشعلوا الشموع [54] .
وفي عيد النوروز، تعمد العوائل العراقية إلى إعداد أكلات خاصة مثل «الزردة» و«البحت» وأنواع أخرى من الحلوى والفستق واللوز والدارسين، فتكون الزردة صفراء اللون والبحت أبيض متناصفة في كل إناء ويتركان ليلا إلى صبيحة 21 آذار محاطا بالشموع وأعواد الياس والزهور وآنية أخرى تحوي الحلويات الأخرى والمكسرات والحناء وبعض الحبوب وغيرها [55] .
وخلال استقراء قامت به كريستينا سكار جينسكا حول تشابه بعض عادات الزواج في بولندا والوطن العربي، وجدت أن في منطقة سانوك بقرية بوبركا، أن العروس تخرج في موكب لبيت زوجها بعد حفل العرس، فتقدم لها أمها حلة مملوءة بحبوب القمح، تقف في منتصفها شمعة مشتعلة، وتزين كل من الحلة والشمعة بنبات يسمى الحي العالمي. وفي طقوس أخرى بولندية، تدخل صديقات العروس إلى غرفتها ممسكات بالشموع. كما يتم استعمال الشموع في بولندا أثناء عقد القرآن في الكنيسة، فإذا ارتفع لهبها اعتقدوا أن الزواج سيكون سعيدا [56] .
غالبا ما كانت صواني الشموع في العراق ذات وقع خاص، لا يضاهيه أي وقع آخر في حياة الإنسان العراقي، ولهذا فقد برزت في أقوال الشعراء وفي أغاني المطربين القدماء.
يقول الشاعر العراقي عزيز السماوي:
خطار عدنه الفرح نعلك صواني شموع
خافن يمر بالعكد رش العكد بدموع [57]
وفي هذه الكلمات نجد مدى الاختزال في رمزية صواني الشموع، التي تقرر أنها لا تكون إلا في الأفراح وللأفراح فقط، ولعل الشاعر العراقي طارق ياسين قد سبق أخاه السماوي في هذا المجال حيث قال:
لا خبر لا جفيه لا حامض حلو لا شربت
لا خبر قالوا صوانيكم شموع انترست [58]
وهذه الكلمات تعبر أيضا عن رمزية الصواني في الأفراح، وإن اقتصر وجودها وفقا لكلمات الشاعر على الأفراح في الزواجات، إذ أن الحامض حلو والشربات المختلفة تشير لعقد القرآن أولا إذ أن حضور الشربات في عقد القران قديما كان يرمز بالدرجة الأولى للقبول بشكل خاص، في مختلف الأقطار والأمصار العربية، حيث يتم توزيع المشروبات الملونة، إلى جانب صواني الشموع، التي اختص بها العراق وبعض النواحي الأخرى في الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سواء كانت هذه الأماكن قد تأثرت بالعراق أم كان ذلك ضمن عاداتها وتقاليدها وطقوسها في الأساس أو تأثر العراق منها قبل ذلك.
ولا ريب في أن صواني الشموع لها حضور طاغ في أعراس العراقيين وفي مناسبات أخرى كذلك، حيث تؤكد أديبة الخميسي في كتابتها عن الزواج لدى الصابئة المندائية، أن صواني الشموع في حفلات الزواج للنساء تبدأ من إعلان الخطوبة، مرورا بطقوس تعميد العرسان للزواج [59] .
بينما يقول مهدي حمودي الأنصاري في كتابته عن عادات وتقاليد الزواج في الكاظمية، أنه يتم اشعال شمعة كبيرة يجلبها العريس للعروس [60] ، ويتم وضعها في صينية تملأ بالورد والأس والحناء، وتبقى متقدة حتى تنتهي مراسم عقد الزواج، ثم تطفأ ويتم الاحتفاظ بها لحين ولادة العروس، حيث توقد مرة ثانية للدلالة على اليمن والإقبال، كما يتم أيضا إيقاد صواني الشموع للعريس في ليلة الحناء [61] . وأما في ليلة الزفاف فيوضع حناء وشمع ولبن وخبز في صينية [62] .
وفي الموصل توقد الشموع ليلة زفاف العروس [63] . وأما في البصرة فإن إشعال صواني الشموع والسير أثناء زفاف العريس مشابه لما هو معمول به في القطيف وقراها، إذ يسير العريس في الزفة ومن حوله الناس وأمامه حاملو الشموع [64] . وإذا كان حمل صواني الشموع ينتهي في القطيف بانتهاء الزفاف ووصول العريس لبيت الزوجية فإنه في البصرة لا ينتهي، حيث يتم إشعال شمعة كبيرة في غرفة العريسين، فتبقى مضاءة حتى الصباح، ويجب أن لا تطفأ بعد ذلك إلا بالماء، وتوضع في مشربة حتى لا تنكسر، لأن كسرها يعني نذير شؤم عليهم [65] ، وفق اعتقاداتهم.
وإذا ما انطلقنا في تتبع هذه العادة في أقطار غير العراق، نجد أن في سوريا وتحديدا في بلدة السقلبية في حماه في يوم الحناء، تقوم الصبايا بعجن الحناء مساء يوم السبت، فوق طبق من النحاس السميك المزخرف، يسمى الصينية أو الطبسية، ويمزج بأنواع العطور والطيب، وتنثر فوقه أوراق الورد بشكل أنيق، ويزين بقطفات من الحبق واللمام، وتصطف الشموع الملونة على داير مدار الصواني المزينة، وتتقدم كوكبة من الصبايا وقد لبسن أجمل الحلي، ليحملن صواني الحناء، وفوقها الشموع المشتعلة فوق راحات أكفهن، ويمضين بموكب هو آية في الروعة والجمال، قاصدات بيت أهل العروس [66] .
وفي الإمارات العربية المتحدة، اختلفت عادات وطقوس الزفاف تبعا لاختلاف البيئات في المجتمع الإماراتي، سواء الساحلية، أو الجبلية، أو البدوية، حيث يتم في يوم الحناء لدى مجتمع العجم على الساحل الإماراتي، احتفالا خاصا بيوم الحناء، فتلبس العروس ملابس خضراء، وتجلس في غرفة مغطاة بستائر خضراء، ويتم وضع الحناء في طبق حوله الشموع [67] .
وأما في قرية المالكية في مملكة البحرين، فتخرج النساء خلف جمع من الرجال أثناء زفة العريس إلى بيت عروسه، حاملات معهن صينية مصنوعة من المعدن وبها عدد كبير من الشموع ونبات المشموم [68] .
وفي قرية بني جمرة يقوم أصدقاء العريس بالالتفاف حوله في شبه دائرة وهم يرددون الأناشيد، ويقومون بنثر الحلويات، والنقود مع حمل الشموع في صواني مثبتة بالتمر [69] .
وفي منطقة أوزلافن في ولاية بجاية بالجزائر، تقوم أم العروس في ليلة الحناء بإشعال سبعة شموع، لما يحتويه هذا العدد من أبعاد طقوسية، حيث تضعها بإحكام على شكل حلقة داخل صحن الحناء، أو في شمعدان مصنوع من الفخار [70] .
وفي إقليم الحسيمة المغربي، يتم في بيت العروس خضب الأيدي وفق طقوس ومعتقدات عريقة، مشحونة بدلالات رمزية، حيث يجلس العريس على كرسي، أمامه ثلاثة أواني في الواحدة منها حلوى وبيض، وأخرى الحنة، والثالثة دقيق مغروس فيه شمعة مشتعلة وبيضتان [71] .
وبالعودة للعراق مرة ثانية، هناك طقس آخر تشعل فيه صواني الشموع، وهو ما يعرف بيوم زكريا، أو ليلة زكريا، أو صوم زكريا، أو صينية زكريا، وهو أو هي مناسبة شعبية، تحتل مكانة بارزة عند مختلف أطياف المجتمع العراقي، حيث يتم الاحتفاء به في يوم الأحد، الأول من شهر شعبان من كل عام، تقليدا للنبي زكريا ، الذي صام هذا اليوم حسبما يعتقد العراقيون، وذلك بعد أن بشر بيحيا بعد عقم زوجته الطويل، وهي قصة ذكرها القرآن الكريم.
إذن تعمد الأسر العراقية في هذا اليوم للتحضير لهذا الاحتفاء، وذلك من خلال إعداد صينية عامرة ب «الشكرات»، و«الزردة»، والحليب، والكرفس، والدولمة، والخس، والحلاوة، والكراث، والسمك، والبرتقال، والتفاح، والنومي، والموز، والنعناع، والكليجة، والبيض المسلوق بنقيع قشور البصل الأحمر، ثم تتلألأ هذه الصينية بالشموع الصغار، وشموع الكافور، وأحيانا شمعة العروس الذهبية المزخرفة بالورود، بعد تثبيت قواعدها على الطين بين أغصان الياس والبرتقال.
ومن التقاليد الشائعة في هذا الصدد، أن العاقر تشتري شمعة، وتودعها صينية أحد الجيران، وتلتمس من زكريا أن يحقق لها الآمال، فإذا حبلت وأملصت استقلت بإعداد صينية كاملة في بيتها [72] . جريا على العادة المتوارثة جيلا بعد جيل وكابرا عن كابر.
على أن صينية الشموع لا تقتصر على هذه العادة، وهذا الطقس، فحضورها السنوي كبير أيضا في مناسبة كبيرة، تحتفل بها شريحة عريضة من العرقيات، على مختلف الأديان والعقائد في العراق، حيث نجد صينية ما يعرف بالسبع سينات، التي تقام في عيد النوروز، وهي عبارة عن صينية كبيرة، تجمع فيها سبعة أشياء تبدأ بحرف السين، أو تحتوي على هذا الحرف، أولها سمكة صغيرة نوع «حرش»، أو ما يسمى عند الجنوب «الزوري أو أبو خريزة»، وهذه السمكة في صبيحة يوم عيد الدخول تعلق في باب البيت إلى العام المقبل، لطرد العين وجلب الرزق.
أما باقي مكونات الصينية، فهي على الغالب أعواد من نبات الياس، والملبس «وهي حلوى كروية»، وسكر، وسمسم، وسلق، وخس، وغيرها، ثم توقد فيها الشموع في ليلة عيد الدخول إلى أن تنطفئ لوحدها، اعتقادا من الأهالي أن هذه الصينية تبعد الأرواح الشريرة عن أبناء البيت [73] .
بحسب هذا التتبع نجد أن النور له رمزية خاصة عند مختلف الشعوب في العالم مهما اختلفت ثقافاتها وعاداتها وعقائدها، فالنور يعد رمزا لكل بداية، ولكل أمل وحياة جديدة، وهو كذلك رمز للعلم والمعرفة والهداية.
وأما النار فلم تكن مادة مقدسة فحسب، بل وجدنا أنها تشكل موضوعا هاما للاحتفاء بالفرح، ومادة للأمل المتجدد، ولها أهمية في طرد الأرواح الشريرة، وتعد تعبيرا للتخلص من الأحزان.
فيما كان وجود الشموع في الأفراح وحفلات الأعراس، جانبا طقوسيا محفوفا بمجموعة من المعاني والدلالات والرموز المختلفة، بحسب العادات والاعتقادات والطقوس في كل موطن، وفي كل دين ومذهب، وعند كل أثنية.
ولا شك أن تداخل الشعوب بعضها ببعض، سواء من خلال الغزو والاحتلال، أو من خلال التجارة والعلاقات الإنسانية المختلفة، قد أوجد نوعا من تداخل تلك المعتقدات والطقوس وتأثير تلك الحضارات بعضها ببعض، وكان هذا واضحا وجليا في الحقب التاريخية التي مرت على مختلف الحضارات والشعوب المختلفة.
ولا غرابة في أن يكون العراق أو أن تكون مصر أو حتى اليونان وإيطاليا والهند وفارس والصين مصدر إلهام وتأثير لمختلف العادات والتقاليد حول العالم، ولا غرابة كذلك في تأثير مصر والعراق على كثير من الشعوب في حواضر مختلفة قوية كاليونان والرومان، منذ فجر التاريخ حتى اليوم، ذلك أن العراق ومصر احتضنتا حضارات وديانات، إلى جانب أثنيات مختلفة ومتعددة، وبالأخص في العراق الذي برزت مركزيته التاريخية خلال حقب زمنية مختلفة، منذ حضارات وادي الرافدين مرورا بالفترة الرومانية والفارسية وصولا إلى الفترة الإسلامية التي كان فيها العراق مصدر إشعاع علمي وفكري وثقافي.
لكن إذا افترضنا بأن ما يعرف بصينية زكريا له علاقة مباشرة بزكريا ، قد نكون مخطئين، خصوصا وإننا نعرف أن زكريا كان يقيم بين فسلطين ونهر الأردن، ولهذا سيكون الفلسطينيون والأردنييون أولى بهذه العادة من العراقيين، ولكان قسم من الصابئة المندائية أولى بها من المسلمين، الذين لا يزالون يحتفلون بهذه المناسبة في يوم الأحد الأول من شهر شعبان من كل عام.
وأما صينية السبع سينات، فهي موجودة لدى عدد كبير من الشعوب التي تحتفل بالنوروز، ولا شك أن لها امتدادا فارسيا عميقا لعله يرتبط بديانات قديمة، أو يرتبط بطقوس معينة، خصوصا وأن النوروز يعد احتفالا بدخول الربيع، وهو طقس تقوم به شعوب أخرى حول العالم من بينهم المصريون.
لكن سؤالا آخر يفرض نفسه عن سبب وجود الشموع في مثل هذه الطقوس وغيرها لدى العراقيين وكذلك لدى غيرهم، حيث أن الشمعة قد اكتسبت أهميتها في أعياد الميلاد للدلالة على سني الميلاد من جانب، ومن جانب آخر على أن جذوة العمر لا تزال مشتعلة، وكذلك للتعبير عن الفرح، والحياة الجديدة، والأمل المتجدد.
ولعل الشمعة أو شعلتها أو ضوءها أو نورها أو جذوتها، أو مادتها الشمعية وما ينتجه فتيلها من شعلة، قد أصبح بكليته يمثل جانبا روحيا في بعض الطقوس، التي ارتبطت بالشمعة بشكل مباشر، وأصبحت مادة للتبرك وأسبغ عليها جانب من القدسية.
خصوصا وإننا يمكن أن نحصل على الشعلة أو النور والضوء الذي تنتجه الشمعة من مواد أخرى، لكن يبدو أن الشموع لها مكانة خاصة في العقلية الشعبية حول العالم، فأصبحت رمزا لمن يحترق من أجل الآخرين، وكذلك رمزا للحياة والأمل الجديدين فضلا عن دلالات رمزية أخرى ذات معان مختلفة ومتباينة.
ولم تغب الشمعة في حياة الناس بعيدا عن كل الطقوس، فهي متواجدة في كل أعياد الميلاد الشخصية حول العالم، وتحتل مكانة كبيرة للدلالة والإشارة على أشياء عديدة، ولهذا نجد لها حضورا كبيرا في أحاديث الناس العابرة، سواء للتعبير عن اللطف والأخلاق العالية، أو في الحديث عن العطاء والشباب والطموح والأمل، فيقولون على سبيل المثال فلان كان شمعة بين الحضور، أو شمعة البيت، أو شمعة المجلس.
ولا ريب أن للشمعة حضورا في العديد من الأمثال العربية وغير العربية، لعل أشهرها المثل المعروف في كل أقطار العالم والذي يقول: بدلا من أن تلعن الظلام أشعل شمعة.
آملا أن يكون هذا البحث المتواضع شمعة تنير الدرب لباحثين آخرين لمواصلة البحث فيما يرتبط بعادات وطقوس الشمعة التي لا يزال حضورها جاذبا ومبهرا في ذات الوقت.