آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

الحياة الزوجية بين القُدسية واللامبالاة!

جهاد هاشم الهاشم

مصطلحان أتى بهما هذا المقال المتواضع، وهما «القدسية» للحياة الزوجية هذا أولا، والثاني هو يسير في الاتجاه المعاكس تماما أي النقيض منه وهو السلوك المحاط مع شديد أسفنا بالاستهتار و«اللامبالاة». والمتتبع للوضع الاجتماعي لبلادنا المصونة يلحظُ تزايدًا وارتفاعًا حادًا لحالات الانفصال في مجتمعنا السعودي إلى درجة أصبحت هذه الظاهرة متغلغلة بين شبابنا، حتى وصلت معدلاتها إلى ذروتها، لاسيما في الآونة الأخيرة، وهو أمرٌ يتنافى مع مجتمع عُرف عنه منذ القدم قوته ومتانته وتحابه. ويكمن هذا جليا وواضحا من خلال عوامل عدة منها: الترابط والانسجام والانصهار بين جميع مكونات الشعب السعودي مما أدى ذلك إلى تبلور نسيج مجتمعي متراص ومتداخل في بعضه البعض، ولكن عندما ننظر لما هو واقع الآن من متغيرات اجتماعية ملحة تحكمها وسائل وتقنيات؛ أعلن البعض وخصوصا من فئة «أجيالنا الجديدة» خضوعه التام لها وقرروا السير بشكل ينافي العقل والمنطق ويجسد حالة من تجميد العقول التي وهبنا إياها الله - سبحانه وتعالى - للتمييز بين المحمود من الأعمال والرديء منها. وقد يكون هذا مؤشرا على أن التمسك بتوافه الأمور بدأ يتفوّق على قيمة الإنسان عند هذا النشء الحديث في أغلب مجتمعاتنا حاليًا، حيث تحولت النظرة الصائبة تجاه العلاقة الزوجية ومايتبعها من قدسية حتمية أتت مبرراتها من نصوص قرآنية أنزلها الحق - تبارك وتعالى - في قوله: ﴿وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ. الروم الآية 21.

وهنا تشير الآية الكريمة للأبعاد الإنسانية والأخلاقية والتربوية التي تضمن لتلك العلاقة كينونتها وخصوصيتها، وتكون محاطة ومغلفة بحفظ جميع الحقوق والواجبات التي تنظم هذا النوع من العلاقات بين الجنسين بما يليق وطبيعة آدميتهما، وبالتالي سنصل لنتائج إيجابية بطبيعة الحال كالاستقرار والثقة وتبادل الاحترام وحسن المعاملة ولين الجانب بين الطرفين، فضلا عن الشعور بالمسؤولية تجاه كل منهما للآخر، وكذلك تجاه الأبناء فهم أمانة ومنحة من الله - سبحانه وتعالى - ومراعاتهم والعناية بهم والوقوف على جميع متطلباتهم واجبُ شرعي وأخلاقي وإنساني على الأبوين. فكلما عم الحب وانتشرت المودة وساد التراحم بين الأب والأم؛ كلما انعكس ذلك إيجابا على الحالة النفسية والعاطفية لأطفالنا، مما ينتج عنه مناخ صحي سليم يسوده الهدوء وبيئة نموذجية تأهل هؤلاء النشء من السير تجاه مستقبل واعد ينعكس صداه في خدمة المجتمع خاصة والوطن بشكل عام.

لذا وجب علينا كمسلمين النظر للزواج على أنه أمرٌ مقدس كما أشار الحق - جل وعلا - في الآية الكريمة آنفة الذكر، وليس مجرد عقد وتراضي، وكأنه يتفق فيه الطرفان على الطلاق مسبقا والترتيبات اللاحقة الهادمة بدلا من التوافق حول أسلوب الحياة بشكلها الصحيح والمتين والتفاهم كما ينبغي بطريقة تُطبق فيها أحكام الشارع المقدس، وبالتالي معرفة ما ينبغي التمسك به والعمل بموجبه. وفي المقابل ترك ما يلزم من نواهٍ ومحظورات حددها سماحة الإسلام القويم.

وهنا نختم بنقطتين فيهما مختصر الحديث: أولا: فلأصحاب الفضيلة من مشايخ وخطباء وكذلك كُتابنا الكرام ممن يمتلكون الكلمات والأقلام ولا ننسى الأخوات والإخوة الناشطين الاجتماعيين والصفوة من متعلمي ومتعلمات هذه البلاد، فلكل هؤلاء الموقرين نقول: يجب أن تتضافر الجهود وتتعاظم العزيمة ويكبر الإصرار على محاربة تلك الآفة وذلك الحدث المشؤوم والمظلوم، والحديث هنا عن «الطلاق» لما له من مسببات وتداعيات مقيتة على المدى البعيد، باعتبار ذلك السلوك فيه من الدمار والمفسدة للوضع الأسري والاجتماعي الشيء الخطير؛ وبالتالي فيه ضياع للكثير من التطلعات والطموحات التي ينتظرها مجتمعنا المحيط وطننا الكبير. فالانفصال بين الأزواج عمل جلل لا يؤدي في نهاية المطاف إلا لتفكيك الأسر وتشتت الأبناء وهدر الطاقات وكسر النفوس فيصبحون بين مطرقة الحرمان وسندان الضياع! ففلذات الأكباد إن فقدوا الدفء والحنان من الوالدين ستصبح حياتهم ذات طابع أليم، وسيترك هذا في نفوسهم شعور بالنقص وبعدها لن يعوضه كائنا من كان، فحنان الأبوين لا يسده بديل على الإطلاق، وسنصل بعدها إلى دمار ومأساة شاملة تجاه هؤلاء الفتية الذين هم مسؤوليتنا أمام الخالق سبحانه وتعالى.

أما الثانية: فهي لشبابنا وشاباتنا المقبلين على ذلك الارتباط المقدس، دعونا أحبتي ندرك ونعي المسؤولية الملقاة على عاتقنا ولنتقِ الله في نفوسنا وأبنائنا ويجب الإقلاع بل التكبر عن صغائر الأمور كالعناد والمشاجرات وعدم التنازل والإصرار على آرائنا، حتى وإن كنا على خطأ واضح! فهذا كله من وساوس وهواجس الشيطان ومتابعة الأهواء فالحياة ليست كما نراها بأعيننا القاصرة؛ بل يجب أن نمعن النظر لها كما أمرنا البارئ - تبارك في قدرته - فجميع أمورنا مآلها محكوم بنظام شرعي وأخلاقي واجتماعي واجبنا عدم الحياد عنه كلية باعتبارنا ملزمين بذلك الوقوف بين يدي الله وسنُسأل عن ذلك وهذا أمرٌ لا ريب فيه وجاء ذلك في القرآن الكريم وتجسد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم الآية 6].

وهنا يتبين من الآية المقدسة في قوله: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم... أي فعل أمر بمعنى يأمرنا الله تعالى بالأخذ بالأسباب لتجنب كل ما يوقعنا في ذلك المحظور ومنها أن نتقيه سبحانه في ذواتنا وكل من يلوذ بنا من أبناء وعشيرة وكذلك المنظومة الاجتماعية ليتحقق عدل الخالق وتكتمل الرسالة المحمدية الأصيلة التي ما جاءت إلا لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة نسأل الله العلي القدير أن يصلح حال شبابنا فتية وفتيات وأن يثبت أقدامنا لطريق الصواب وأن يحرس مجتمعنا وبلادنا من كيد ونوازع الشيطان إنه نعم المولى ونعم الوكيل.