تأصيل سوسيولوجي ليوم القرش «القريش» الخليجي
مر علينا في نهاية شهر شعبان ما اصطلح عليه خليجيا يوم القرش أو القريش على اختلاف في اللهجات، ولقوة هذه العادة الجمعية في الخليج أصبحت تقليدا سنويا، وإن انتهى الاسم نفسه ن لانتهاء المتعلقات به.
وخلاصة يوم القرش الموجود في القطيف والأحساء والبحرين والكويت على حد سواء ن هو عبارة عن جمع الأسرة في البيت الكبير، والعمل بشكل جماعي للترتيب لشهر رمضان المبارك، ومنها تنظيف وتزيين البيت، ولذلك سمي بالقريش، والتي تحمل في طياتها شطب وإزالة الأوساخ وبعض الأثاث التالف، وإبداله بالجديد، ويتضمن هذا اليوم السعيد الغذاء الجماعي، ومن بعدها يدخل الناس في شهر رمضان المبارك.
وهناك بعض الشخصيات قد يتعدى عطاؤها أسرتها، فتخرج من هذه الشخصيات هدايا من اللحم والأرز لبعض الأسر المحتاجة.
وبهذا يتشكل التساند والتعاطف قبل حلول الشهر الكريم.
هذا الموضوع يسلط الضوء على مصطلحات سوسيولجية متعددة، متشابهة في المعنى، تلعب دورا هاما في حياة الأفراد والمجتمعات.
هذه المصطلحات عادة ما ترد مترادفة على ألسنة المتحدثين بشتى تخصصاتهم، لكن نادرا ما يشرح لك أحدهم أين تلتقي هذه المصطلحات وأين تفترق، وما الدور الذي تلعبه في المجتمع؟؟
هنا محاولة بسيطة لفكفكة هذه الرموز وتبسيطها للقارئ الكريم، وفق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
إن ما يجمع بين هذه المصطلحات هي أنها وسائل ضبط اجتماعية غير رسمية، يستخدمها المجتمع تجاه الخارجين على سلطته، مقابل الضبط الاجتماعي الرسمي الذي تقوده مؤسسات الضبط الاجتماعي الرسمي كالشرطة ن والمرور، والمحاكم، والجهات الرقابية بأجمعها.
وإذ تطرقنا العادات في البداية فإنها تنقسم إلى قسمين رئيسين:
فهناك العادات الفردية والتي يطلق عليها باللغة الإنجليزية COSTOMS المتمثلة في طرق إشباع الحاجات البيولوجية للفرد، مثل طرق تناول الطعام والشراب، وأوانيه، وأوقاته، كشرب القهوة.. إضافة إلى اللبس وطريقته وهي تتعلق بحياة الفرد.
وهناك العادات الجماعية أو الجمعية وهي القواعد السلوكية المتكررة، التي يرجع إلى المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، وعادة ما تستند هذه القواعد إلى فكر اجتماعي، ويكثر استخدام هذه القواعد ومع الزمن تصبح أنماطا سلوكية، يمكن أن تنتشر أفقيا عن طريق التجاور والاختلاط، ورأسيا عبر الفترة التاريخية الممتدة من عمر المجتمع، وتصبح ثابتة ومستقرة من الصعب التخلص منها.
ولأننا ننحدر من مجتمعات إسلامية فإن الكثير من العادات، إن كانت موجودة فقد أقرها الإسلام، وإن لم تكن فإنها جاءتنا من الفكر الإسلامي.
مثل «عادات التحية وطريقة السلام على الناس، آداب المائدة، طرق تناول الطعام، عادة احترام الكبار، عادة تقدير الجار والبَرِ به، وطرق تمثيل الأسرة في المجالس والتنظيمات الاجتماعية.
دعنا نقول أن التقاليد هي عادات تمكنت بفعل الزمن وترسخت، وتشذبت، إلى أن استقرت، وأصبحت أمراً مألوفاً لا يمكن الاستغناء عنها، وعادة ما تنحى التقاليد صفة الخصوصية في مجتمعات محددة، وجماعة معينة، أو ترتبط بمناسبات خاصة في مقابل العادات التي تأخذ صفة العمومية والانتشار.
مثل «تقاليد الزواج، تقاليد الأعياد، تقاليد تشييع ودفن الميت في المجتمع القطيفي» وهكذا.
يمكن أن نعرف الأعراف بأنها قواعد للسلوك التي لها صفة الإلزام في تنظيم العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
والأعراف تأخذ صفة التقاليد في درجة الإلزام، إلا أن لها صفة العمومية والشمول والانتشار، إلى درجة أنها تشمل مجتمعات بأسرها.
وكمثال فإننا كمجتمع سعودي لدينا عرف ملتزمين به ن وهو الالتزام بالزي الوطني السعودي «الثوب والغترة» فهذا يسمى عرفاً وليس تقليداً وليس عادة من العادات. هذه محاولة بسيطة، وبلا شك إن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى الكثير من النقاش والمقارنة، أوحتها لي تذكر ومناقشة مناسبة يوم الفرش «القريش» الخليجية، نسأل الله التوفيق لذلك.