شواهد صدق رسالة الإسلام «1»
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ صدق الله العلي العظيم - النساء - الآية 82.
ماذا لو فازت دول المحور في الحرب العالمية الثانية؟ كيف سَيُكْتَبُ التاريخ؟ في حيواتنا، مرت علينا حروبٌ ومناوشات كثيرة. والأخبار فيها متضاربة. وغير ثابتة. تفتح قناة زيد فتسمع شيئا. ثم تفتح قناة عبيد فتسمع شيئا آخر. وفي خضم الثورة المعلوماتية، لا يزال المرء يحار. والكثيرون يميلون لما يناسب أذواقهم. نعاصر هذه الأيام أحداث الحرب الساخنة القائمة حاليا بين الروس والأوكرانيين. ومن الصعوبة أن تجد قناة محايدة لتنقل الحقيقة كما هي. حتى المؤسسات التعليمية والعلمية أخذت تحجز مواقع للتشجيع أو الشجب. عزيزي القارئ، ونحن نعيش عصر الانفجار المعلوماتي، لن تحصل على المعلومة على حقيقتها وكما هي. كُلٌّ سيبين ما يريد أن تراه. ويخفي ما لا تريد أن تراه. وعليه، الاعتماد على مثل هذه القنوات لسرد التاريخ البشري عمل غير منصف.
حدثت في العراق غرائب أمام أعيننا، حيث تم تصفية السيد محمد باقر الحكيم بصورة بشعة. كما تم قتل السيد عبد المجيد الخوئي بصورة شنيعة؛ أكثر من سبعين طعنة في جسده. وإلى هذا اليوم، ذهبت دمائهما هدرا. ابنا مرجعين عظيمين خدما الأمة من أدناها إلى أقصاها. هل توجد أكبر من هذه الفوضى؟ إذ تلبس الأحزاب السياسية رداء الدين لتبرر جرائمها الشنعاء. واقعا، نحن لا نعرف ملابسات القضيتين إلى الآن، حدثت لشخصيتين مهمتين جدا. وهذا مؤشر أن ليس كل من لبس رداء الدين أهلا للثقة، بل أكثرهم على عكسها، وهناك مصالح يبيع فيها المتمصلح ذمته دون النظر للعواقب. وقد يكون المتسبب في القتل بطلا لجماعة ما ينفخونه إلى أن ينفجر.
وعندما نعود لصدر الإسلام، فإننا نجد أن السيرة النبوية المباركة كتبت لاحقا في عصر جماعة حاربوا الرسول ﷺ حيا وميتا. جماعة لا يخفون عداءهم لمحمد وآله. وتشهد على ذلك صفين وكربلاء واستباحة المدينة المنورة، التي كان يسميها أعداؤه خبيثة. هل نأخذ هذه السيرة كما هي وعلى عماية وبدون أي تفكير أو تحليل منطقي؟
بحكم تَعَامُلِنَا مع النظريات والخوارزميات، والنظر إليها من كل زاوية، نحن نضع جميع الاحتمالات، ويساورنا الشك. ليس الشك في نبوة المصطفى ﷺ، ولكن فيما نقل عنه من سيرة وتاريخ، بل حتى أحاديث وروايات لا يمكن التحقق منها إلا من خلال نقل رزح تحت وصاية أعداء محمد ﷺ ردحا من الزمن. وسنناقش موضوع الإسلام موضوعيا، بعيدا عن العاطفة الدينية، أو الانحيازات الأيديولوجية. سنناقش بالمنطق، لا غير.
نحن بحاجة للعودة إلى أسس ومشتركات نبدأ منها. القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يتفق عليه المسلمون المعاصرون، وإن اختلف فيه بعض السلف. والقرآن دستور يعتمد على بنود مهمة، وأهمها: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ «18 - الزمر». الرسول ﷺ أوصى المسلمين بثقلين؛ القرآن والعترة. حاليا، لا توجد روابط مباشرة مع العترة، وما ينقل عنهم لا يختلف تماما عما نُقِل عن الرسول ﷺ. وعليه، يمكن وضع هذا النقل تحت الغربلة والدراسة والتحليل الدقيق. كما يدعي البعض وصلا بالرسول ﷺ، هناك آخرون يدعون أيضا وصلا بالعترة «وتذكير بسيط بمقتل السيدين الحكيم والخوئي يكشف مثل هذه الادعاءات». وهذه الادعاءات بحاجة لأدلة دامغة لا يمكن أن يختلف عليها اثنان. والتشظي والتنازع أكبر دليل على البعد عن نهج محمد وآله ومخالفة لوصايا القرآن: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ «46 - الأنفال».
لنعد قليلا للوراء، ونبدأ بعهد ما قبل الإسلام، حيث كانت قريش من سادات العرب، وكانت هاشم تتصدر قريش، وكان محمد ﷺ سيد الهاشميين. كان محمد ﷺ صادقا أمينا، يشهد له القاصي والداني. وكان حكيما وذا كاريزما طبيعية تُمِيل القلوب إليه. وعليه، كان مرشحا وبدون منازع لقيادة بني هاشم، ومن ثم قريش. وهذا يعني أنه ﷺ لم يؤسس دعواه طلبا للزعامة، والتي عرضت عليه في سبيل أن يتخلى عن دعوته، فرفض.
عندما نزل الوحي على محمد ﷺ، ذهب إلى داره يرتجف، حتى خافت عليه زوجه خديجة، وعرضت أمره على الآخرين، ومن ضمنهم ابن عمها، ورقة بن نوفل. فتارة يتزمل وتارة أخرى يتدثر. واضح جدا أن وقع الحدث عليه ليس بالسهل. ولو كان مدعيا لنزول وحي عليه، لما اضطر للتمثيل بالخوف والقشعريرة، بل هذا النوع من التمثيل لا يخطر على بال مدعٍ. والمعروف أن طقس مكة حار، صيفا وشتاء. فمن ذا الذي يريد أن يُلَّفُ بقماش ليتدفأ؟
كما أن ”اقرأ“ أول آية نزلت في القرآن، ولعمري من منا لا يعرف اليوم أهمية القراءة؟ حتى أصبحت الفاصل بين المتعلم والأمي، بين المثقف ونقيضه، بين العالم والجاهل، بين الحكيم والأحمق، بين كل خير وكل شر. بل حروب اليوم أصبحت إلكترونية تعتمد على مُلْكِ المعلومة، ومن يمتلك معلومات أكثر، ينتصر. ولا تزال القراءة أهم عنصر للحياة. ومن خلالها تلتحم المعلومات الماضية بالحالية لاستقراء واستشراف المستقبل.
وللحديث بقية...