يا له من شاعر مغرور..!
ذهب محمد إلى مكتبة المتنبي، فوقعت عينه على كتاب «قصائد أعجبتني» لمؤلفه غازي القصيبي، فاشترى الكتاب وطار به إلى بيت أبيه فرحًا وكأنه عثر على كنز ثمين..!
سأله والده - وهو رجل مثقف يمتلك مكتبة غنية بالكتب والمصادر والمخطوطات -:
ما الذي دفعك إلى اقتناء هذا الكتاب يا ولدي؟
- محمد: أول ما شد انتباهي هو العنوان؛ ومما زاد من فضولي أنني أردت أن أعرف ما القصائد التي أعجبت القصيبي وهو الأديب المعروف والمشهور، ثم تصفحت الكتاب ووقع نظري على اسم الشاعر المتنبي وقوله:
”أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأسمعت كلماتي من به صممُ“
فتشوقت لأطلع على غرور هذا الشاعر يا أبتي، فياله من شاعر مغرور..!
- الأب: إنها الثقة بالنفس وليست الغرور، ومن طرائف ما قرأتُ حول بيت المتنبي هذا، أنه تنبَّأ بأبي العلاء المعري الذي سيأتي بعده - وهو شاعر ضرير - و«ينظر إلى أدبه»، وهذا ما حدث فعلًا، فقد شرح المعري ديوان صاحبك المتنبي وسماه «معجز أحمد»..!
إنه المتنبي الذي ملأ صيته الآفاق ولم ينازعه شاعر في ذلك على الإطلاق، فلا تستعجل - يا ولدي - بالحكم عليه قبل أن تقرأ له وعنه، واجعل الكتاب الذي اقتنيته أول طريق إلى معرفة المتنبي عملاق الشعر على مر العصور.
- الولد: لكن المتنبي قال «نظر الأعمى» ولم يقل «سينظر الأعمى»، فكيف يصح التفسير؟
- الوالد: لو أردتُ التعليل فسأقول لك إن التعبير بصيغة الفعل الماضي عن الأمر المستقبلي مستخدم، فهل حدث يوم القيامة حتى يقول القرآن الكريم ”ونُفِخ في الصور“؟
وعلى كُلٍ، فقد قلت لك يا ولدي إن هذا التوجيه في تفسير بيت المتنبي ما هو إلا من طرائف ما قرأت، وما كل مروي أو منقول أو مقروء مصدَّق..
شَعَرَ محمد بالخجل من أبيه ويا له من شعور..،
وكأنه استعجل فاتهمه بتصديق كل ما يُقرأ ويُنقل ويُروى،
كما استعجل حين اتهم المتنبي بالغرور.