آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 3:45 م

الإدارة والعلوم الأخرى!!

الدكتور هاني آل غزوي *

في البداية، واجهت الإدارة الكثير من المشكلات الناجمة عن قصور مفاهيمها للسلوك الإنساني باعتباره العنصر الأساسي في العملية الإدارية. ولذلك اتجهت الإدارة الحديثة إلى البحث عن مصادر علمية تساعدها في إدراك حقيقة المورد البشري، وكانت البداية في علم النفس وتطوره الجديد فيما سمي بعلم النفس الصناعي. وقد ساهم هذا العلم في دراسة وفهم جوانب أساسية من التكوين النفسي للفرد مثل الدوافع والاتجاهات مما حقق تقدماً ملحوظاً في مجالات إدارية هامة منها على سبيل المثال: عمليات الاختبار والتوجيه المهني، والتدريب، وما يتعلق بحسن أداء الفرد لعمله. ثم وجدت الإدارة في علم الاجتماع مصدراً مهماً للمعلومات الخاصة بالجوانب الاجتماعية للسلوك الفردي مثل تأثير العائلة والجماعات المرجعية... الخ.

وقد نمى فرع متخصص وهو علم الاجتماع الصناعي، والذي أضاف لعلم الإدارة الكثير من المعلومات المتجددة عن الظروف الاجتماعية المؤثرة في سلوك «ومن ثم إنتاجية» العمال الصناعيين. كذلك بذلت جهود لإحياء علم النفس التجاري الخاص بالبحث في استخدامات علم النفس في مجالات البيع والإعلان والتسويق بشكل عام وذلك على أساس دراسة وتحليل سلوك المستهلكين. وظهرت في السنوات الماضية بوادر علم النفس الإداري الذي يحاول تقديم صورة متكاملة للعوامل المحددة لسلوك المديرين في المنظمات. وقد كانت لهذه المحاولات في الاعتماد على العلم آثار إيجابية انعكست أساساً على العلاقات الصناعية بين الإدارة والعاملين ونقاباتهم.

كذلك تطورت أساليب الإدارة في التعامل مع المستهلكين بناء على دراسة احتياجاتهم ودوافعهم السلوكية. ولكن المشكلة في ذلك، أن هذه المحاولات كانت دائماً منعزلة عن بعضها، وتمثل اتجاهات متفرقة لا يضمها فكر واحد ولا فلسفة متحدة. ومن ثم اتجهت جهود الباحثين إلى إنتاج إطار فكري متكامل يفسر السلوك الفردي، ويتنبأ به ويساعد الإدارة بالتالي على اتخاذ القرارات الإدارية.

ثم سرعان ما تعقدت المشكلات الإدارية بسبب تضخم الإنتاج وتعقد التكنولوجيا، والتطور المستمر في القوى الإنتاجية، وكان لذلك أثره على عملية اتخاذ الإدارة لقراراتها. فاتجهت الجهود العلمية، وبصورة مذهلة نحو البحث عن فروع من المعرفة تفيد في حل مثل هذه المشكلات، وكانت الاجتهادات مع علوم المحاسبة، والإحصاء، والرياضيات، والهندسة، والطب. فهناك الأساليب الكمية المتاحة لاتخاذ القرارات الإدارية سواء في شكلها البسيط مثل دفاتر الحسابات، أم في شكل رياضيات متقدمة. وبعضها مثل المحاسبة أو العديد من الطرق الإحصائية أصبحت شائعة ومقبولة. كما ساهمت نظرية الاحتمالات في هذا المجال، وتعتبر شجرة القرار وسيلة مفيدة لإدخال حساب الاحتمالات بالنسبة للاختبارات المتاحة. وهناك أيضاً البرمجة الخطية التي تطبق في الحالات التي تستخدم فيها موارد محددة بطرق مختلفة، فما أفضل طريقة لتخصيص الموارد مع الاعتراف بأن طاقة الموارد محدودة وأن الطرق التي يمكن أن تستخدم بها تتوقف على الأهداف المطلوبة.

وتعتبر المعلومات أساسية جداً في هذه النواحي الكمية لاتخاذ القرار، بحيث أن قدراً كبيراً من الفكر قد اتجه نحو نظرية المعلومات، ومن حيث مصادرها، وتدفقها، واستخدامها، ومتطلباتها، وبالطبع فإن عملية اتخاذ القرارات تعتمد على المعلومات الصحيحة والملائمة قبل وأثناء وبعد اتخاذ القرار.

ولقد أمكن التأثير على المديرين في إطار هيكل سليم بواسطة خصائص الكمبيوتر، وإن كانت فعاليته في اتخاذ القرارات تتوقف على البرمجة الصحيحة. ويحقق الكمبيوتر الكثير من العمليات الحسابية بسرعة ودقة هائلة، وبشكل مفيد، وذلك بشرط أن يكون تدفق المعلومات إليه صحيحاً.

ولعل العبرة من علاقة الإدارة بالعلوم الأخرى يكمن في أنه يجب أن تتوافر لمن يقوم بالعمل الإداري خلفية ثقافية في الناحية الفنية التي يعمل بها مثل مجالات الإنتاج، أو المبيعات، أو التمويل، أو المحاسبة، أو الهندسة، ويجب أن تكون لديه أيضاً معرفة بالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة بالنسبة لعمل الآخرين، ثم إن هناك عدة مجالات مساندة يجب أن يلم بها بدرجات متفاوتة مثل الاقتصاد أو القانون أو المنطق أو الفلسفة أو الرياضيات أو اللغات أو علم النفس، ومن الواضح أن مدى المعرفة وعمقها لابد وأن يختلف بالنسبة لمختلف المديرين، ولذلك يجب أن يسعى كل واحد إلى التفوق حسب احتياجاته الشخصية والوظيفية.