هذي لغتي فوق الشفةِ
هذه لغتي فوق الشفة كالأغنية
المناهل
ﻫﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻞ
ﻫﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻓﻲ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ
ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ
ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻤﺴﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻤﺴﺔ ﺍﻟﺨﻔﻴﻔﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﻈﺮﻳﻔﺔ
ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﺮﺍه
من منا لا يعرف هذه الأنشودة التي ترنمنا عليها منذ نعومة أظافرنا ونحن في عالم الطفولة، ودرجنا ونحن نتعلم منها الكثير من قواعد اللغة العربية، إذ كانت أنشودة وشارة الافتتاحية لبرنامج تعليمي خفيف لطيف بحث عن أبسط أساليب طرح الكلمات والأحرف والتمييز بين المرفوع منها والمنصوب والمكسور والمجرور، كان يدعى ”المناهل“ أظن بان جيل الألفية الأخيرة لا يعرفه إلا ربما من خلال بعض فلتات لسان أهله عن بعض ما علق في ذاكرتهم من فقراته الشيقة الجميلة.
وما تعلمناه كان كالقاعدة الأساسية الرصينة التي من خلالها نسجنا أولى خيوط فهمنا للغة الأم لغة القرآن الكريم، اللغة التي يحتفى بها في كل عام بكل فخر واعتزاز، إنها من اللغات التي يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة.
وفي إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي قرارا عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم بالاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة، وبناء عليه تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 كانون الأول/ ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190 «د-28» المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1973.
وحقيقة لا نحتاج إلى يوم لنحتفي بلغتنا ونبرز قوة كلماتها وتعابيرها فهي بارزة وبقوة لا سيما وهي لغة القرآن الكريم الذي يؤمن بكونه كتاب سماوي كل العالم المتدين، وإن أردنا أن نبهر العالم أجمع بجزيل مفردات لغتنا الجميلة ما علينا سوى قراءة آية من آيات كتاب الله عز وجل أمامه حتى نعرف عمق اللغة العربية ورصانتها وقوتها ودقة معانيها.
يقول صباح الحكيم في قصيدته لغة الضاد:
أنا لا أكتبُ حتى أشتهرْ
لا ولا أكتبُ كي أرقى القمرْ
أنا لا أكتب إلا لغة
في فؤادي سكنت منذ الصغرْ
لغة الضاد وما أجملها
سأغنيها إلى أن أندثرْ
وما أطول من المدة وأحد من السين وأقوى من الشدة وأهدأ من السكون كما علمنا ”أبو الحروف“ في برنامج ”المناهل“ إلا قواعد بنينا عليها أجمل وأعذب أبيات تغزل في اللغة العربية.
إذ يقول الشاعر الكبير حافظ إبراهيم:
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي
وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني
عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي
رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
لغة ما تزال نبع لجميل المفردات والجمل ففي كل يوم نكتشف فيها الكثير، لا سيما عندما يجتمع أهل اللغة ودارسيها بعمق، نجد أنفسنا ضائعين بينهم ونحن أبناؤها، فكيف بمن يجهلها؟
ونجد أنفسنا بالفعل وكأننا في بحر، كلما غرفنا من منهله غرفة احتجنا إلى غرفة أخرى، كيف لا وقد اكتشفت للتو بأن يجب ألا أقول بعض الكلمات كما اعتمدتها، وربما حتى أنت اعتدت أن تقولها بمثل ما أقولها أنا ومنها:
لا تقل: أجب على السؤال. قل: أجب عن السؤال.
لا تقل: الأمر الملفت للنظر. قل: الأمر اللافت للنظر.
لا تقل: شاب خلوق. قل: شابٌ ذو خُلق.
لا تقل: ما هو اسمك؟ قل: ما اسمك؟
لا تقل: الأمر الهام. قل: الأمر المهم.
لا تقل: جاء لوحده. قل: جاء وحده.
لا تقل: زاد في الشيء. قل: زاد على الشيء.
لا تقل: أثر عليه. قل: أثَّر فيه أوبه
ألم أقل لكم إنها بحر متلاطم من الجمال، وما زال في أحشائها الكثير الذي يستحق أن يبحث عنه.