قبل 60 عامًا حدثت هذه القصة!
تأتيك رسالة واتساب، تفتحها فتقرأ رغبة مرسلها أن يجتمع بك قريبا، في يومٍ تالٍ تتجه صباحا نحو موقع الاجتماع، يبدأ الحديث فتتعرف على سبب مجيئك، تحدث نفسك بأنني طالما تساءلت في داخلي عن تلك القصة التي يريدها مني الصديق منصور الرميح ”أبو أمين“ أن أحكيها، قصة عمرها 60 عامًا. أخرج من اجتماع الجمعية وأنا أفكر في تلك المهمة ”فلم وثائقي يحكي قصة تأسيس جمعية سيهات“.
مهمتان في انتظاري الآن، الاستماع إلى شهادات المؤسسين والبحث عن الأرشيف، وأمامي سقف زمني قصير.
الالتقاء بالمؤسسين الأحياء أكثر ما يشغلني، كانوا ستة وللظروف الصحية لبعضهم يوافق أربعة منهم على اللقاء، كانوا 20 مؤسسا رحل منهم 14 عليهم رحمة الله.
عبد الله العباس، أحمد الشافعي، حسن الناصر، مهدي الناصر، أرى الأربعة الآن يدخلون إلى موقع اللقاء فرادى واحدا تلو الآخر، يمشون الهوينى وأحدهم يتكئ على عكازه.
لا أخفيكم بأني كنت متهيبا فكيف لي أن أبتر من التقويم أكثر من 60 عاما ليحكوا لي تاريخ ما قبل تأسيس الجمعية، كيف كان السيهاتيون يعيشون آنذاك اجتماعيا واقتصاديا، عن ملابسات تأسيس الجمعية، عن الصعوبات وأهم الإنجازات.
كيف أستنطق هؤلاء ”الكبار“؟
لتأخذ شهاداتهم لا بد أن يكونوا مستأنسين؛ لذلك مع كل لقاء بأحدهم أقترب منه حاملا الآيباد أطلعه على بعض صور تلك المرحلة لتنشيط الذاكرة وكسر الرسمية وهذا ماحدث، يبدأ الحديث في انسياب والضحكات تتوالى، يبدأ ”الأكشن“ لننتقل من محور إلى آخر، ومن قصة إلى طرفة.
أن تبدأ مشروعا مؤسسيا كأول جمعية على مستوى المملكة وبهيكل تنظيمي وتقرير سنوي دون نموذج يُحتذى به، ثم تنشئ أول مركز لإيواء كبار السن والمعاقين، تتلوه بأول روضة، ذلك سرٌّ ينبغي أن يُكشف.
وخلال هذه المنجزات ينقلون تجربتهم لبقية المناطق فتولد الجمعيات من جمعيتهم الأم.
يحدثونك عن تلك الإنجازات بكل تواضع وهدوء مستذكرين قصص البدايات؛ فهاهم ينتقلون من بيت إلى آخر يطرقون الأبواب للتعريف بالجمعية، البعض يرحب بهم والبعض يطردهم. وذلك شاكٍ عليهم عند الأمير ابن جلوي بأنهم مخالفون، وهذا والدُ أحدهم يأمره بالاستقالة لأن أحد ”الكباريه“ يطلب من ذلك الوالد ترك مهنته في الخياطة ف ”ولدك أمين الصندوق“ ملمحًا له بأن ما يجمعه ابنك من الجمعية كله في جيبه! ومع ذلك استمروا، جميعهم استمروا…
يقودهم رجل سبق زمنه، رجل يجمع بين التجارة والإدارة والاستفادة من تجارب الآخرين في الداخل والخارج، ذلك الحاج عبد الله المطرود وهاهو ينقل تلك التجارب إلى سيهات لينشئ مع زملائه ”صندوق البر“ وفق إدارة وهيكل تنظيمي والذي سيصبح فيما بعد ”جمعية سيهات“.
هذا العمل المنظم منذ التأسيس كان من أهم التساؤلات التي شغلت بالي فكانت الإجابة إضافة إلى ما مضى أن أغلب أعضاء الإدارة كانوا يعملون في أرامكو فاستفادوا من خبراتهم هناك، وكما ذكر الحاج أحمد الشافعي ”أبو منصور“ والذي كان مشرفا على الروضة بأنه كان يستفيد من نظام الروضات في أرامكو.
وخلال سنوات أصبحت مشاريعهم محجًّا يُحجُّ إليها من مختلف الجهات حكومية أو أهلية من داخل المنطقة وخارجها للاستفادة من تجربتهم.
جمعيةٌ أصلها ثابت، فلا عجب أن تؤتي أكلها كل حين بفضل مؤسسيها المخططين ومن جاء بعدهم حتى يومنا هذا.
كم تمنيت أن تطول معهم الحكاية فكل ”رجل“ منهم يحمل تاريخا يستحق أن يُروى، ولكن حان أن يطفئ ”أحمد الجارودي“ كاميرته وإضاءته، وحان لـ ”فايز الخنيزي“ أن يطفئ الصوت فالوقت كان بالمرصاد.
ودعت الأربعة جسدا بتقبيل رؤوسهم إلا أنني بقيت معهم روحا وأنا أحكي قصتهم ابتداء من السيناريو مرورا بالمونتاج مع ”ميثم البحراني“ الذي أفسدت عطلته العائلية حتى ينجز العمل، وقبل ذلك بالبحث عن الأرشيف الذي أرفدني به الصديق محمد الشافعي وكان كريما معي، كما كان للصديق السيد أثير السادة فضل في تزويدي بأرشيفه واستشاراته.
أيام قضيتها مع الرجال الأربعة وزملائهم مليئة بالجهد والسهر لكنها مليئة بالشوق والحنين والأهم من كل ذلك، كانت مليئة بالإلهام.