المنطق وفكرة الحوار «2»
على رغم أن معظم موضوعات المنطق إن لم يكن جميعها، لها صلة بوجه من الوجوه بقضية الحوار، إلا أن الظهور الأوضح لهذه القضية، تمثل متجليًا في موضوعين هما: الأول: صناعة الجدل أو آداب المناظرة، والثاني: صناعة المغالطة بأقسامها اللفظية وغير اللفظية.
وبهذين الموضوعين إلى جانب موضوع الخطابة، ينتقل المنطق من عالم الذهن إلى الموضوعات الخارجية، متجهًا إلى الجماعة الإنسانية، ناظرًا إلى أحوال البراهين والاستدلالات والحجج في عالم الناس، بما يتجاوز نطاق الفرد، منبهًا من جهة على طريقة الجدل وآداب المناظرة، وناهيًا من جهة أخرى عن صناعة المغالطة تعمدًا واتباعًا للحجج الزائفة.
ومن هذه العلاقة بين المنطق والحوار، انبثق مفهوم الحوار المنطقي، ويراد به نمط من الحوار يكون متقيدًا بقواعد المنطق وأصوله، ضوابطه وموازينه. ويعد هذا النمط الحواري من أجود أنواع الحوارات وأرقاها درجة.
ومن طبيعة هذا الحوار المنطقي أنه لا يحدث عادة بطريقة عفوية، ولا يجري غالبًا في الحالات العادية، ولا يكون ساريًا كثيرًا في أوساط العامة من الناس. وإنما يعرف به أهل العلم وأصحاب المعرفة والحكماء الذين يحسنون صناعة الحوار، ويلتفتون إلى ضوابطه المنطقية.
ويفترق الحوار المنطقي من ناحية الطبيعة عن الحوار الديني أو الحوار الثقافي أو الحوار الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، فهذه الأنواع من الحوارات تكون ناظرة إلى طبيعة المجال الذي تنتسب إليه، فالحوار الديني يراد به الحوار الذي ينتسب إلى المجال الديني مناقشًا قضايا الدين ومسائله، والحوار الثقافي يراد به الحوار الذي ينتسب إلى المجال الثقافي مناقشًا قضايا الثقافة ومسائلها، وهكذا بالنسبة إلى الأنواع الأخرى. أما الحوار المنطقي فيكون ناظرًا إلى طبيعة الحوار نفسه، متسمًا بضوابط المنطق وموازينه.
لهذه الخاصية، فإن جميع أنواع الحوارات وأقسامها الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها تكون بحاجة إلى الحوار المنطقي، فالحوار الديني بحاجة إلى الحوار المنطقي، تقيدًا بضوابط الحوار وموازينه، تصويبًا له وتسديدًا. وهكذا الحال بالنسبة إلى الحوار الثقافي، والحوار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيره من أنواع الحوارات الأخرى.
ومن هنا تتأكد قيمة الحوار المنطقي، وتتكشف أهمية علاقة المنطق بفكرة الحوار.